كثيراً ما تتخلى المرأة الرياضية عن أنوثتها لكي تتمكن من ممارسة الرياضة التي تحب، لكن هؤلاء الفارسات المكسيكيات جعلن أنوثتهن وأزياءهن جزءاً من نجاح رياضتهن، حيث تقدم «الإيسكاراموزاس» عروضاً جماعية من الفروسية والكوريغرافيا، لا تخلو من مخاطرة وتحدٍّ.
إذا رأيتهن واقفات بفساتينهن الأنيقة المنسدلة في اتساع من الأسفل، مثل فساتين الأميرات في أفلام ديزني وقبعاتهن المكسيكية العريضة المزركشة، تخالهن شلة من الفتيات من القرن التاسع عشر، ذاهبات إلى «حفلة شاي»، وربما تخالهن راقصات فولكلوريات يرقصن على أنغام الموسيقى المكسيكية العذبة، لكن الواقع أن الصورة من دون أحصنتهن ليست مكتملة، لأنهن في الواقع فارسات روضن أحصنة عنيدة، لتقديم عرض جماعي من فنون الفروسية تمتزج فيه الفرجة والأنوثة والأناقة بالمهارة والمجازفة.
«إيسكاراموزا تشارا»
هي رياضة نسائية مكسيكية، تندرج تحت جناح رياضة الفروسية، حيث تمتطي مجموعة من الفارسات ضمن فريق يتكون من 10 إلى 16 سيدة خيولهن، وهن يرتدين فساتين فولكلورية أنيقة، فترقص الخيول بشكل متناغم على إيقاع الموسيقى المكسيكية التقليدية، بينما تؤدي الفارسات حركات تتطلب مهارة كبيرة. البعض أطلق على هذه الرياضة اسم «باليه الفارسات المكسيكيات»، إلا أنها تسمية أغفلت الخطورة العالية التي تنطوي عليها هذه الرياضة، بسبب الحركات البهلوانية التي تؤديها الفارسات على ظهر الخيول من دون ارتداء أي خوذات واقية.
تاريخ نضالي
يطلق على هؤلاء الفارسات باللغة الإسبانية اسم إيسكاراموزاس، ومعناها «المحاربات المناوشات». وتاريخياً تعتبر الإيسكاراموزا رياضة حديثة في المكسيك، فهي لم تظهر بشكلها المنظم الذي وصلت به إلينا إلا في الخمسينات من القرن العشرين. وجاء هذا الاسم اعترافاً بالدور الذي لعبته المرأة في الثورة المكسيكية التي اندلعت عام 1910 حيث حاربت جنباً إلى جنب مع الرجل في سبيل الحرية. وخرجت رياضة الإيسكاراموزا النسائية الفنية من رحم رياضة الفروسية المكسيكية الوطنية المسماة «تشاريريا» التي يشتهر بها الرجال المكسيكيون، والتي تعود إلى خمسة قرون مضت، ولم تتحول إلى رياضة تنافسية إلا عام 1991. وتتميز كلتا الرياضتين بأنهما بوتقة تنصهر فيها اللياقة البدنية والمهارة مع الثقافة والتراث والحرف اليدوية وأسلوب الحياة القروية القديمة، وقيم العائلة.
البدايات
في الخمسينات من القرن الماضي، زار أحد فرسان «تشاريريا» المكسيكيين المرموقين الولايات المتحدة الأميركية، وحضر عرضاً لفرقة خيالة تقدم عروضاً كوريغرافية مع الخيول فأعجب بما تقدمه، وقرر أن يستلهم منها عرضاً جديداً يضيفه إلى عروض تشاريريا التراثية، ولما عاد للمكسيك شرع في تعليم أطفال العائلات التي يمارس رجالها رياضة تشاريريا كوريغرافيا ركوب الخيل، وأطلق على ناديه اسم «كاروسيل». لاقى هذا النشاط إقبالاً من الفتيات اللواتي كن قبل ذلك مجرد متفرجات على إخوانهن الذكور وهم يتعلمون فنون «تشاريريا». وهكذا تكونت أول فرقة فارسات إيسكارموزاس في المكسيك. ومع توالي السنين، بدأت هؤلاء الرائدات، شيئاً فشيئاً في تطوير عروضهن، إلى أن وصلن إلى مستوى الفارسات «إيسكاراموزاس» المعروفات اليوم. ولم يصبح عرض الإيسكاراموزاس عرضاً رسمياً ضمن منافسات تشاريريا المكسيكية إلا عام 1992. وزاد انتشار هذه الرياضة ليس فقط في المكسيك، بل أيضاً خارج حدود المكسيك في البلدان التي تعيش فيها جاليات مكسيكية كبيرة مثل الولايات المتحدة الأميركية.
شأن ذكوري
عروض «تشاريدا» أو «تشاريريا» المكسيكية، هي عادة شأن رجالي بامتياز، فهي عروض تعتمد كثيراً على القوة والعضلات والقدرة على ترويض الخيول والثيران، أو الجري وراءها بالحصان وإلقاء الحبل عليها للإيقاع بها، كما يحصل في أفلام الويسترن الأميركية. مع ذلك فإن الفارس المكسيكي الذي يلقب «تشارو»، يحرص على أن يورث أبناءه وبناته حب الخيول ومهارة التعامل معها. وحتى عقود قليلة مضت، كان دور المرأة في عروض «تشاريريا» يقتصر على المضيفة اللطيفة المتحفظة.
أزياء
لباس الفارسات اللواتي يشاركن في عروض إيسكاراموزا، هو ركن مهم من أركان العرض ويخضع لقانون تنظيمي صارم ومواصفات دقيقة. فهناك تعليمات تحدد مواصفات لباس «الإيسكاراموزاس» وتختلف من عرض إلى آخر، حيث يمكن أن يكون الحدث ثقافياً أو اجتماعياً أو مسابقة رياضية. يتكون فريق الإيسكاراموزاس من مجموعة من الفارسات (ثمانٍ على الأقل) ينبغي أن يرتدين لباساً موحداً. ويتكون لباس كل فارسة من فستان مكسيكي إما من قطعة واحدة أو قطعتين، بمعنى تنورة واسعة وجاكيت مطرزة، شبيه بلباس الفرسان المكسيكيين الرجال. ياقة الفستان يجب أن تكون دائماً عالية بحيث يكون الصدر مستوراً، أما الأكمام فيمكن أن تكون طويلة أو ممتدة إلى المرفق. يتضمن اللباس أيضاً القبعة المكسيكية العريضة الشهيرة «سامبريرو»، وسروالاً داخلياً يمتد إلى الركبة وربطة للشعر وحزاماً للفستان وحذاء برقبة عالية في شكل «بوتس»، ومما لا شك فيه يجب أن تكون جميع القطع متناسقة الألوان والزركشات والخامات، ومستوحاة من اللباس التقليدي للمرأة المكسيكية.
فرجة
عادة ما يتضمن عرض إيسكاراموزاس مجموعة من التمارين، تقدم متسلسلة من دون توقف في عرض واحد مدته عادة 10 دقائق، تكون فيه جميع الفارسات على ظهور أحصنتهن، ولكن بخلاف الطريقة التقليدية لامتطاء الحصان، فإن الفارسات يمتطين الحصان بحيث تكون كلتا الساقين على جانب واحد من صهوة الحصان. يتم تقديم العرض الكوريغرافي على أنغام الموسيقى المكسيكية الحية التي تضيف المزيد من الإيقاع والدراما إلى العرض. فالخيول تتحرك بسرعة خلف بعضها البعض كأنها تتبع خطوطاً مستقيمة لكن متداخلة، فيتجه صفان من الخيول نحو بعضهما ويتقاطعان في لحظة معينة، حيث يخيل للمشاهد أن اصطداماً على وشك أن يحصل بين هذا الصف والآخر من الخيول، إلا أن الحركة التي تحبس الأنفاس تكون محسوبة بدقة لتفادي أي حادث، وأيضاً للحصول على العلامات النهائية على مستوى الانسجام والتناغم بين عضوات الفريق، وبين الخيول وبين بعضها.