تقع البتراء في الجهة الجنوبية من الأردن، على منحدرات جبل المذبح، وتبعد عن مدينة عمّان العاصمة مسافة 225 كيلومتراً،
إلى الغرب من الطريق الرئيسي المؤدي إلى مدينة العقبة المنْفَذ البحري الوحيد. وتتبع إدارياً محافظة مَعان، وكانت المدينة قديماً عاصمة لمملكة الأنباط، وتأسّست في عام 312 قبل الميلاد. والبتراء (أو البترا كما تُلفَظ عادة) عبارة عن مدينة كاملة منحوتة في الصخر الوردي اللون (ومن هنا جاء اسم «بترا»، وتعني باللغة اليونانية الصخر)، (يُقابله باللغة النبطية رقيمو)، وتُعرف أيضاً باسم المدينة الوردية،
نسبة إلى لون الصخور التي شكلت بناءها، وهي مدينة أشبه ما تكون بالقلعة.
تُعتبر «الخزنة» من أشهر وأهمّ المعالم الموجودة في البتراء، وسُمّيت بهذا الاسم نسبة إلى اعتقاد البدو بأنها تحتوي على كنز، وتتألف الخزنة من طابقين، كل طابق ارتفاعه 39 متراً، وبعرض 25 متراً، كما تتألف من ثلاث حُجرات. فيما «السيق»، عبارة عن طريق رئيسي مشقوق في الصخر يوصل إلى المدينة، ويبلغ طوله 1200 متر، وعرضه بين ثلاثة و12 متراً، وارتفاعه 80 متراً. وهو مدخل ضيق، وأول ما تمر به هو مجموعة الجن، وهي عبارة عن مجموعة من ثلاثة مكعبات صخرية تقف إلى اليمين من الممر، ولدى عبور المزيد خلال الشق يرى الزائر ضريح المسلات المنحوت في المنحدر الصخري، وفي لحظة يتحول الممر من عريض إلى فجوة مُظلمة لا يتجاوز عرضها أقداماً عدّة، وفجأة وعلى بُعد خطوات عدة، تحصل على أول رؤية لأروع إنجاز للبتراء، وهي الخزنة التي تبدو للعيان تحت أشعة الشمس الحارقة والمنحوتة في الصخر. أما «مسرح البتراء»، فيُعدّ من أكبر المباني في البتراء، وقد شُيّد في القرن الأول الميلادي، وشكله مثل نصف الدائرة، ويتّسع لـ10 آلاف شخص. ويعود تاريخ «الدير» للنصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد، ويتألف من طابقين.
قصر البنت
شيد «قصر البنت» والذي يُعرف أيضاً باسم (قصر بنت فرعون)، في القرن الأول قبل الميلاد. وتتألف «المحكمة» من واجهات مهمة عديدة، كقبر الجرّة. فيما يُعتبر «المعبَد الكبير» من أضخم المباني المشيّدة فيها، ويقع في جهة الجنوب من الشارع المعبد. كما ترجع أصول «المذبح» إلى الآدوميّين، واستُعمل صِلَة وصل أيام الحكم الصليبي بين قلعة الوعيرة وقلعة الحبيس. وتتضمّن البتراء مواقع أخرى، مثل معبد البستان، قبر المسلات، مقابر الملوك، ضريح الجندي الروماني، القاعة الجنائزية، معبد الأسُود المجنحة، مدفن الحرير، قبر القصر، مدفن سكستوس فلورنتينوس، قبر الرينيسانس والقبر الكورنثي. وعلى مقربة من المدينة يوجد جبل هارون، الذي يُعتقد أنه يضم قبر النبي هارون (عليه السلام)، والينابيع السبعة التي ضرب موسى (عليه السلام) بعصاه الصخر فتفجّر الماء منها.
عاصمة ثقافية
كان الأنباط في البتراء يتكلمون لغة تشبه الآراميّة. وقد أصبحت البتراء عاصمة ثقافية موازية ومساوية للمدن الفينيقية واليونانية، حيث يُعتقد أن الخط العربي الأبجدي نشأ وتطور في هذه المنطقة على يد الأنباط العرب. كما كُتب به الحرف العبري في مرحلة ما. وقد انتشر الحرف النبطي بعد أن تبنّاه الإسلام، وكُتبت به لغات أمم أخرى في بلاد عديدة لا يقل مجموعها عن 15 بلداً. واستطاع العرب الأنباط في البدايات مقاومة محاولات السيطرة عليهم وإخضاعهم، وأبقوا منطقة دائرة الأردن التاريخية خالية نسبياً من النفوذ الأجنبي. ومن بين أهم مواجهاتهم العسكرية، وقوفهم في وجه النفوذ السلوقي (اليوناني) في عام 312 ق.م. إذ استطاعوا ردّ الجيش اليوناني مهزوماً بعد أن قتلوا معظم أفراده في الحملة الأولى، وردّوا الحملة اليونانية الثانية بعد أن حاصر الإغريق مدينتهم لمدة طويلة. كذلك انتصر الأنباط في أول معركة بحرية يخوضها جيش عربي، وذلك في مياه البحر الميّت، وهي المعركة التي أنهت أحلام اليونان وأطماعهم بالاستيلاء على شرق الأردن. كما واجه العرب الأنباط، اليهود في مواجهات واسعة سجّلوا في معظمها الانتصار، على الرغم من الحماية الرومانية التي كانوا يتمتعون بها.
أهمية اقتصادية
كانت البتراء عاصمة لدولة الأنباط، وأهم مدن مملكتهم التي دامت ما بين 400 قبل الميلاد وحتى 106م، وقد امتدت حدودها من ساحل عسقلان في فلسطين غرباً، حتى صحراء بلاد الشام شرقاً. ومن شمال دمشق وحتى البحر الأحمر جنوباً، إذ كان موقع البتراء هو المتوسط بين حضارات بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام والجزيرة العربية ومصر، وكان لها أهمية اقتصادية كبيرة، فقد أمسكت دولة الأنباط بزمام التجارة بين حضارات هذه المناطق وسكانها، وكانت القوافل التجارية تصل إليها مُحمّلة بالتوابل والبهارات من جنوب الجزيرة العربية، والحرير من غزّة ودمشق، والحنّاء من عسقلان، والزجاجيات من صُور وصيدا، واللؤلؤ من الخليج العربي. ونتيجة للثروة التي حصلوا عليها، قاموا بتزيين مدينتهم بالقصور والمعابد والأقواس. وبشكل عام اعتمد اقتصاد مدينة البتراء، إضافة إلى التجارة، على معدن النحاس الذي شكّل عصب الحياة الاقتصادية فيها، وصناعة الفخار، أمّا اليوم فيعتمد اقتصادها على القطاع السياحي، حيث تُعتبر البتراء من أهمّ المواقع السياحية الجاذبة للسيّاح.
عجائب الدنيا
في عام 1992 تأسست اللجنة الوطنية لحماية البتراء في المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، وقامت جمعيات غير حكومية أعلنت برامج في هذا المجال». وتُتابع الحسيني: «الحدث التاريخي العالمي للبتراء، تَمثّل في اختيارها في السابع من يوليو عام 2007، كثانية عجائب الدنيا السبع الجديدة، بعد الدعم الرسمي للتصويت، حيث اعتبر الأمر واجباً وطنياً. وقامت الحكومة الأردنية بحملات دعائية ضخمة من أجل البتراء في الصحف والإذاعات الرسمية الأردنية والتلفزيون الأردني، لتحفز مواطني المملكة على التصويت».
وعن دعم المنطقة سياحياً، تختتم ندى الحسيني قائلة: «يُقام في البتراء سنوياً ومنذ عام 2005، «مهرجان البتراء السياحي الثقافي»، لتشجيع السياحة الداخلية والعربية، كما أقيم في العام نفسه مؤتمر للحائزين جائزة «نوبل» في العالم. ولقد قامت سلطة إقليم البتراء بالتعاون مع «هيئة تنشيط السياحة» في عام 2012، بإحياء احتفاليّات تضم العديد من الأنشطة والفعاليات، بمناسبة مرور 200 عام على اكتشاف البتراء، والتي تهدف إلى تعريف المواطن المحلي والسائح العربي والأجنبي بأهمية هذه المناسبة، ودورها الرّيادي في وضع البتراء على خارطة السياحة العالمية».
مكانة البتراء تاريخياً وأثريّاً
تطورت أهمية البتراء إدارياً، كما تقول الدليل السياحي المعتمد من وزارة السياحة الأردنية، ندى الحسيني، مع نشوء إمارة شرق الأردن في عام 1921، حيث تم تأسيس مديرية ناحية في وادي موسى. وفي عام 1973 تم ترفيع الوحدة الإدارية من ناحية إلى قضاء. وفي عام 1996 تم ترفيعها إلى لواء. أما في عام 2001 فتم تغيير اسم لواء وادي موسى إلى لواء البتراء، وتُعتبر مدينة وادي موسى مركز اللواء. وتُضيف ندى: «قامت مديرية المصادر التراثية الأردنية بتنفيذ 22 حفرية أثرية مع عدد من البعثات الغربية أنجزت في منطقتي البترا والبيضا، نظراً إلى تفرّد المدينة من الناحية الطبيعية والتاريخية والجغرافية، ولاحتوائها على مزيج فريد من تراث الحضارات القديمة التي تنتمي إلى حضارات متنوعة. ومنذ ذلك التاريخ عُقدت ورش عمل عديدة، عُنيت بترميم وحماية آثار البتراء.
تاريخ سكاني
سُمّيت البتراء قديماً باسم (سلع). ودخلت لائحة التراث العالميّ التي تتبع «اليونسكو» عام 1985. وتحتوي على الكثير من أنواع النباتات كالصدح، العنصل، العشار الباسق، السوسن. وعلى الكثير من أنواع الحيوانات كالحمير، الخيول، الماعز والجمال.
استوطنها البشر بين عامي 1200 و539 قبل الميلاد. ضُمّت المدينة إلى أملاك الرومان في عام 106. وقد تعرّضت لزلزال عام 746م، وفي عام 748م أدّى إلى إفراغها من السكان. وخلال الفترة العثمانية بقيت المدينة في سبات، وأعيد اكتشافها من جديد عام 1812.