مع بدء موسم الإجازات الشتوية، وما بين مُحب وعاشق للاستمتاع بهذا الموسم باختيار أجمل الوجهات السياحية الشتوية حسب ظروف وإمكانات كل شخص، سواءً أكان فرداً أم عائلة. حيث يمتزج عادةً هدف الرحلات السياحية بين الدهشة والمتعة، وبين حبّ الاستكشاف والاستطلاع، ومن ثم الراحة والاستجمام والاستمتاع بأجواء الشتاء على الرغم من برودة الطقس. «زهرة الخليج» تأخذكم اليوم في رحلة سياحية شتوية بيضاء في جنوب فرنسا، إلى مدينة «غرونوبل» التي يعود تاريخها لأكثر من 2000 عام.
تُعد مدينة «غرونوبل»، أيقونة للجمال الطبيعي الساحر، ناهيك عن كونها رمزاً من رموز جبال الألب، الشاهدة على التقلبات والتطورات الاقتصادية والصناعية الكبيرة، طيلة القرون الماضية، فقد كانت مشهورة بصناعة النسيج، لتضع بصمتها وتُعزز مكانتها بدورها الكبير في النهوض بالمنطقة اقتصادياً وثقافياً وحتى رياضياً،إذ أنها قبلة لاستقبال أضخم دورات الألعاب الأولمبية الشتوية منذ عام 1968.
معالم ومتاحف
لا بد لزوّار مدينة «غرونوبل»، من اقتناص فرصة وجودهم فيها، والمرور على أبرز معالمها القديمة، والغنية برموزها ودلالاتها السياحية الكثيرة، ولعل أبرزها (ساحة غرونيت)، التي تتوسط قلب المدينة، تزيّنها في المنتصف نافورة مرسوم عليها «دلافين مُتراقصة»، تكشف عن لوحة Château d’eau تسمّى «قصر الماء»، وتحيط بها سلسلة مطاعم ومقاهٍ، مكتظة بالسياح طوال السنة. أما في فصل الشتاء فتتحول إلى سوق منظّم وجميل يكتسي باللونين الأحمر والأخضر، لأعياد الميلاد، وبَيْع ما لذّ وطاب من الكعك والبسكويت والشوكولاتة الشهية. و(نافورة الأسد) التي تأخذ من تمثال الأسد الذي يزينها اسماً لها، وتقع في ساحة «سيميز» الواقعة في الضفة الشمالية لمدينة «غرونوبل»، جمالها الساحر لم يكن من قبيل الصدفة، حيث تم تشكيلها على أنامل النحّات الفرنسي الشهير «فيكتور سابيه» عام 1870، في منحوتة فنية ذات دلالات مُعبرة، يرمز الأسد فيها إلى قوة نهر «دراك»، وهو يقاوم الثعبان الذي يرمز بدوره إلى نهر «إيزير» الشاسع. و(قلعة باستيل) التي تتربع على منتصف قمة «جبل شالمون»، على ارتفاع نحو 400 متر عن سطح المدينة القديمة، الغنية بالكاتدرائيات والكنائس، مثل كاتدرائية «نوتردام».
ويُعتبر (جسر سان لوران) الأقدم في المنطقة، حيث تم إنشاؤه على يد الرومان، وكان يُعتبر في القرن الخامس عشر الجسر الوحيد في المدينة الذي يَعبُر من خلاله على أطراف نهر «إيزير» الشاسع من جهة اليمين، ويربط منطقة «شامبيري» بنهر «الرون»، أي بين المركز التاريخي للمدينة والجهة الأخرى من النهر، والتي تنتهي بساحة «دو لاسيميز». لذلك، كان ولا يزال يحتل مكانة استراتيجية داخل أوروبا قاطبة، على الرغم من الأضرار الجسيمة التي لحقت به بسبب الفيضانات المتكررة التي تخلفها الأمطار الغزيرة في المنطقة، إلا أنه تم ترميمه وتزيينه بمعدني الحديد والنحاس، ومن ثم تحويله اليوم إلى جسر للمشاة، يستمتع السياح من خلال عبوره بمشاهدة ساحرة لنهر «إيزير»، وسلسلة الجبال المعلقة المحيطة به. بينما تتربع (حديقة بول ميسترال) على عرش المدينة القديمة، كقبلة سياحية مهمة لعشاق الطبيعة من العائلات في جميع المواسم، حيث يحظى عشاق الثلوج بنزهة جليدية خلابة على التلال المطلة والمرتبطة بالحديقة، إذ تقل درجة الخطورة على الأطفال المحبين للتزلج واللعب بالثلوج، فيمكنهم جلب أدوات التزحلق واللعب بين أطراف وأشجار الصفصاف والصنوبر المحيطة بالحديقة، والاستمتاع بالتدحرج على التلال من دون خوف أمام أعين الملأ. أما مُحبو الجو البديع، فيُفضل زيارة الحديقة خلال فصل الربيع، حيث تكتسي مساحات الحديقة بساطاً أخضر يُريح القلب والنفس.
فنادق ومطاعم
تحتل الفنادق جزءاً مهماً من مساحة مدينة «غرونوبل»، حيث تكاد تجدها موزعة بشكل متسلسل على أطراف المدينة، فهي تُعتبر مصدراً مهماً للمخزون السياحي والاقتصادي لفرنسا، وتختلف تصنيفات الفنادق حسب الفئة، ويصل عددها إلى 520 فندقاً، تتراوح بين الفخمة ذات الخمس نجوم، والعادية من سلسلة الثلاث نجوم أو نجمتين، لذلك نجد تبايُناً واضحاً في الأسعار.
من بين أجمل الفنادق القريبة إلى أماكن التزلج، تحت سفوح «جبال الألب» والبحيرات التي تتحول إلى جليد، يتم تحضيره لهواة الرقص على الجليد، نجد كلاً من فندق «أكوكو» الواقع قرب حديقة «لاووش» وسط المدينة، وفندق «لو جران أوتيل غرونوبل»، الذي يوفر كل متطلبات النّزيل فيه من راحة فندقية جميلة، ذات إطلالة ساحرة على أجمل المرافق السياحية في المدينة، وفندق «مونت دولانس» الذي يتربع على أحد التلال التي تتحول عند نزول الثلج إلى أيقونة ساحرة، لن تكف عن التقاط الصور عبر شرفات غرفه المطلة على مساحة شاسعة من البياض. كما نجد فندق «رون ألب»، الذي يبعد عن المدينة نحو كيلومترين فقط، ويتميز بمطاعمه ذات الأطباق الشهية العالمية، التي تجمع بين الأطباق الأوروبية والشرقية على حدٍّ سواء.
أما فندق «لوكلي دو شومب»، فهو مُخصص لعشاق الرومانسية، لما يقدمه من أجواء حميمية، تجعل المقيم فيه يشعر بأنه في بيته، فهو بمثابة كوخ كبير مجهز بوسائل جُلّها مشغول من الطبيعة، كالأفران الحجرية والغرف المزينة بأسرّة خشبية مشغولة يدوياً، وخاصة المدفآت الحجرية، التي تتوهج وتشتعل نيرانها على الطريقة القديمة، عبر وضع قطع من خشب أشجار الصفصاف والصنوبر الجميلة.
تلفريك غرونوبل
يُعد «تلفريك» مدينة «غرونوبل»، من أكثر الأماكن استقطاباً للسياح، خاصة في هذا الوقت من فصل الشتاء، ويُعتبر «تلفريك» المدينة ملاذاً للعديد من عشاق السياحة البيضاء، حيث يتمتع مستخدمه بإطلالة بانورامية، من خلال مُشاهدة أروع المناظر وأجملها على الإطلاق، وذلك في جولة على متن مركبات الـ«تلفريك»، التي تتخذ شكل بالونات شفافة، تكشف عن إطلالة ومشاهد ساحرة لمعالم المدينة. ووهو أول «تلفريك» ريفي في العالم، حيث تم إنشاؤه عام 1934، وشهد أحداثاً تاريخية عديدة في الحربين العالمية الأولى والثانية، لذلك لا تستغرب فخر سكان «غرونوبل» الذي يتراوح تعدادهم 600 ألف نسمة بالـ«تلفزيك»، لأنه شاهد على حقبة تاريخية لها وقعٌ كبيرٌ على تغيّر المدينة جذرياً.
مدينة الأدباء
يُقال إن الكاتب والفيلسوف والأديب «جان جاك روسو»، كان كثير السفر إلى «غرونوبل»، التي لا تبعد كثيراً عن مسقط رأسه جنيف. أما المثير في الموضوع، فإنه عند بداية الشارع الذي أطلق عليه اسمه، يتربع بيت أحد أكبر عمالقة الأدب والرواية في فرنسا، وهو ابن مدينة «غرونوبل»، الكاتب الروائي «ستندال»، واسمه الحقيقي هنري بيلي، صاحب أشهر الروايات في عالم الأدب الفرنسي، رواية «الأحمر والأسود». فالمدينة لها تاريخ ثقافي حافل، وبرز منها أشهر الكتّاب والأدباء والفلاسفة في فرنسا، أمثال «غاستون باشلار»، الذي خُصّصت له حديقة جميلة في المدينة، أطلق عليها اسمه تكريماً له، و«إيمانويل مونييه»، و«ألبير كامي» الذي جعلها مستقراً للإبداع في أعماله الروائية.