المتزوجون منا لاحظوا ذلك. ومَن لم يتأهلوا بعد، لا بد أن شاركوا أفراح عرس قريب أو قريبة، صديق أو صديقة، زميل أو زميلة، فلاحظوا أن ثوب العروس أبيض، عدا ربما بعض حالات أندر من نادرة يختار فيها الخطيبان لوناً آخر. فلماذا لون ثوب العروس أبيض؟ لماذا يعاف الخلق، مثلاً، الأخضر (لون الأمل عند شعوب كثيرة) أو الأحمر (لون الحب والمودة)، أو الأزرق والأصفر والبرتقالي، إلخ؟
قد يظن ظان أن مردّ ذلك هو أن البياض رمز العفة والطهارة والعذرية. لكن التقليد آتٍ من أوروبا، التي لا تزال تتشبث به في القرن الـ21، بينما لم يعُد فيها تعريف مفاهيم العفة والطهارة والعذرية مثلما كان ماضياً. إذن ما السبب في خيار الأبيض للعروس؟ في الواقع، حتى أواسط القرن الـ19، كانت الأوروبيات يرتدين أثواب عرس بألوان صارخة، وأحياناً وهاجة، تعبيراً عن الفرح. فكنّ يستهوين الأحمر والبرتقالي والأصفر والأزرق السماوي والأخضر الفستقي. لكن، في عام 1858، انبرت صبية في سن 14 تدعى بيرناديت سوبيرو، فأكدت بإصرار أنها قابلت مريم العذراء في غار «ماسابييل» القريب من مدينتها «لُورد»، الواقعة في جنوب فرنسا. وأصرّت الفتاة على توكيد أن السيدة العذراء ظهرت لها 18 مرة بين شهري فبراير ويوليو من تلك السنة، 1858. بادئ ذي بدء، شكك الناس في دعاوى بيرناديت سوبيرو. لكن، شيئاً فشيئاً، صدّقها بعض القساوسة، ثم العوام، ومن بعدهم الصحافة المحلية، ثم الصحافة الوطنية. ومثلما حزرتم: تلك الفتاة «المأخوذة» شددت على أن العذراء ظهرت لها «ملفعة بثوب ناصع البياض»، مضيفة أنها «كانت تتمنطق بحزام أزرق وعلى كل من قدميها وردة صفراء». ونظراً إلى تمسك الفرنسيين بالكاثوليكية في تلك الحقبة، انطلقت موضة إلباس العرائس ثياباً بيضاً تيمُّناً وتبرُّكاً ودُعاءً لحياة زوجية لا تشوبها شائبة. وما عزز التوجّه الجديد لاحقاً هو أن حكاية الصبية ألهمت كُتاباً عديدين، أشهرهم أميل زولا، الذي استلهم منها روايته «لُورد» ونشرها عام 1894، فنفدت الطبعة الأولى بسرعة مذهلة، من أكثر من 120 ألف نسخة، ما كان يعدّ رقماً معتبراً آنذاك. أما الفتاة، فتوفيت عانساً في سن 35، في عام 1871.