معابد بوذيّة متفرقة.. أسواق عائمة متنوعة.. كهوف تاريخية مُدهشة.. كل ذلك يدعوك لاكتشاف مدينة تحمل بين طيّاتها دلالات تاريخية ذات جُذور عميقة ومتأصلة لمملكة تايلاند الساحرة بحضارتها العريقة، وأنهارها ووديانها وشلالاتها. مدينة أقل ما يُقال فيها إنها كانت أرضاً خصبة لملوك تايلاند.. إنها مدينة «راتشابوري» الساحرة بجداولها المائية المنتشرة على طول الطريق البرّي، الذي يربطها ببقية المدن التايلاندية، وبأسواقها العائمة، ملتقية بسهولها البرية المتموجة لتُشكل إحدى أجمل المدن الآسيوية على الإطلاق.
نزهة مختلفة
توجد فنادق تطل مباشرة على السوق العائم، من الممكن أن تزوره انطلاقاً من المدخل الخلفي للفنادق هناك، والذي يربط الفندق بالنهر مباشرة ذهاباً وإياباً، إذ ستستمتع برفقة دليل سياحي يتحدث الإنجليزية بالمناظر الخلابة للبيوت العائمة فوق النهر، تم تخصيص أحدها كاستراحة ومطعم للسياح المارّين عليها، حيث يتسع المطعم لنحو 50 شخصاً، يقدمون فيها أطيَب وألذّ وجبة إفطار صباحي، ترافقه تشكيلة متنوعة من أنواع المشروبات الساخنة والباردة من الفواكه الطازجة.
تقع مدينة أو بالأحرى مقاطعة «راتشابوري» في الشرق الغربي من مملكة تايلاند، على ضفاف نهر «ماي كلونج» الشهير، بكثافة سكانية تصل إلى 39 ألف نسمة، يتحدثون اللغة التايلاندية والإنجليزية، وهي بالأهمية ذاتها التي تحتلها العاصمة التايلاندية بانكوك، حيث تحظى برصيد ثقافي واقتصادي وتجاري مُهمّ في تاريخ البلد، والعملة المتداولة فيها هي «البات» التايلاندي. وتضم «راتشابوري» التي تحمل في اسمها التايلاندي معنى جميلاً وهو «أرض الملوك» 10 مناطق، تنقسم بدورها إلى عدد كبير من القرى الشعبية، وهو الطابع الذي يغلب على المدينة التقليدية، التي لا يمكن وأنت تزورها إلا أن يأخذك حُب المغامرة لزيارة واستكشاف معابدها البوذية الغنية عن التعريف، فضلاً عن ضمّها عدداً كبيراً من الأسواق العائمة المشهورة، كتلك التي تضمها العاصمة بانكوك.
مواقع أثرية
تضم «راتشابوري»، مواقع أثرية لها أهمية كبيرة في تاريخ وثقافة تايلاند، جُلّها مَعابد بوذيّة قديمة جداً، حيث يعود تاريخ بناء معظمها للقرن السادس الميلادي، على يد ملوك تايلاند الذين مرّوا عليها، وكان لهم التأثير الكبير في حياة السكان والأهالي حتى يومنا هذا، من أمثال «وات خلونغ سواناخيري»، وملك أثايا «بورو ماكوت»، وآخرين، وجميعها يرمز إلى ثقافة «مون دافارفاتي»، التي امتزجت مع اللمسة العصرية التي طغت على البلاد في أواخر القرن الماضي. وفي عام 1962، تم اختيار معبد «وات خلونغ»، ضمن «قائمة التراث العالمي لليونسكو»، بفضل مساحته التي تمتد إلى مساحة تقدر بـ2000 متر عرضاً، بارتفاع يصل إلى 800 متر، وشكلها المثلثي الجميل، المزيّن بأجْوَد أنواع السيراميك، وجدرانها المرصوصة بمجموعة كبيرة من الأحجار القوية التي احتار الكثيرون في الطريقة التي تمّ فيها رصّها بذلك الشكل الفني المتناغم.
أسواق عائمة
لا بدّ لك وأنت في «تشابوري» من التجول في أحد قوارب النهر، ويطلق عليها اسم قوارب «باوي» المسطحة، والمصطفة جنباً إلى جنب قرب أسواقها العائمة، الملونة بوابل من ألوان الخضراوات والفواكه الجميلة، وخاصة سوق «دامنوين سادواك»، المشهور باستقطابه الكبير للسياح، حيث يحظى بشعبية كبيرة في المنطقة، بفضل قنوات مياهه الضيقة والجميلة والمكتظة طوال الوقت، فإذا رغبت فعلاً في رؤية السوق العائم عن كثَب، عليك اختيار القوارب الضيقة، وأن يكون المجدفون وأغلبهم نساء طاعنات في السن، من صاحبات المعاطف الزرقاء، ذلك يدل على خبرتهم في مجال التجديف، والمرور عبر القنوات الضيقة جداً بالنهر، لنقلك إلى محطات كثيرة بالنهر، ستحظى بمساحة جيدة للتصوير الفوتوغرافي الجميل، وستلفت انتباهك كثرة القبعات التايلاندية التقليدية التي يرتديها الباعة، وهم يدعونك باللغة التايلاندية واللغة الإنجليزية، فهم يتقنونها جيداً، ويعرضون عليك ما بحوزتهم، لتذوّق تنوّع كبير في أصناف الفواكه والخضراوات، بعضها سيُدهشك شكلها، وطعمها اللذيذ. أما محبّو التسوق، فسيجدون ضالتهم في مُكاسرة الأسعار التنافسية للباعة على بيع كميات الأوشحة الحريرية، وكذلك على الأرصفة المقابلة للقنوات، حيث تنتشر مجموعة كبيرة من محلات بيع الثياب والاكسسوارات التقليدية الجميلة، وخاصة تلك المتعلقة بالماركات التجارية المقلدة، ومُجسّمات «تماثيل بوذا» التذكارية. كما ستحظون بأكل الكستناء المشوية والمسلوقة في جوّ شعبي، وسط أهازيج ونداءات الباعة المتجولين المنتشرين في كل مكان.
حديقة «لاروز»
حديقة «لاروز» الواقعة على ضفاف نهر «تاشين» في راتشابوري، من أهم المواقع التي يمكن زيارتها، فهذه الحديقة غنية بأنواع متعددة ومختلفة من أصناف الأزهار والورود العطرة، ذات النفحة الآسيوية المتميزة من روائح الياسمين وإكليل الجبَل، وفضلاً عن ذلك تُعتبر حديقة لاروز مرتعاً سياحياً ونقطة جذب مهمة للسياح، حيث سترى الوجه الحقيقي للحياة الشعبية في تايلاند، وذلك من خلال تقديم البرامج الترفيهية المتنوعة والعديدة التي على أرضها، أبرزها عروض رقص الفيلة، والتمتع بفعالية رقص القبعات على الخيزران، كما يتوسط الحديقة فندق صغير وجميل على شكل فيلا، مصمم على الطراز التايلاندي الصيني التقليدي، يضم 10 غرف، وهو مخصص للعائلات والأطفال، وتشمل أسعار المبَيت في الفندق حضور أغلب البرامج الترفيهية، بما فيها تذاكر مدينة الألعاب للتسلية والخاصة بالأطفال.
معابد وكهوف
تحتل المعابد الدينية حيّزاً مهماً في تايلاند بأسرها، ونجد أن أهالي «راتشابوري» كثيرو التشبّث بالمعابد، حيث يزورونها يومياً، تيمّناً واستبشاراً منهم بخير ورزق من «بوذا»، فتاريخها المتأصل والمرتبط ارتباطاً بتاريخ المدينة جعلها محط اهتمام أنظار العالم، وأبرزها:
معبد «وات وراويهان»، ويُطلق عليه معبد «البسمة»، حيث يؤكد السياح وأهالي «راتشابوري» أن دخوله يُشعرك براحة نفسية وطاقة جميلة لا تعرف مصدرها، حيث تحتله مساحة من البياض الشاسع، وينظّم فيه العديد من حفلات الزفاف الشعبية، التي تعتمد على مباركة «بوذا»، يليه معبد «وات كوسينا راي»، المتميز بتصميمه التقليدي جداً، وعلى الرغم من مساحته الصغيرة التي لا تتعدّى 800 متر مربع، إلا أنه يحظى بإقبال كبير من قبل سكان «راتشابوري»، باعتباره الأكثر شعبية بينهم، ويكاد يخلو من السياح. أما معبد «وات خاو وانج راتشابوري»، فينتمي إلى فئة المعابد الأكثر جمالاً من حيث طريقة البناء، والتصميم الهندسي المتميز الممزوج بين سحر الثقافة التايلاندية، وعُمق اللمسة الملوكية السائدة في المدينة خلال القرون الماضية، يحيط بالمعبد الذي يزين سقفه زخرفات مَطليّة بالذهب، وأبواب مصقولة من اللون الذهبي الجميل، يضفي على المكان نوعاً من الرقي والفخامة التي تميّزه عن بقية المعابد ليس في المدينة فحسب، بل في أنحاء مملكة تايلاند كافة، حديقة غنّاء واسعة المساحة غنية باللون الأخضر الذي يزين أرجاءها، وسلسلة من الأزهار العطرة التي تنثر أريجها في المكان، لتُنعش جميع من زاره.
الرقص مع الأفاعي
عالم الحيوانات، من الأمور المستحبة كثيراً لدى الشعب التايلاندي، وخاصة أهالي مدينة «راتشابوري»! فمن لديهم نوع من «الفوبيا» نحو الزواحف، عليهم التخلص منها فوراً، وألا يُفوّتوا مشاهدة عرض الزواحف الذي يحظى بشعبية كبيرة في هذه المدينة، فغير بعيد عن سوق دامنوين سادواك العائم، تنتهي قنوات نهر السوق المتقاطعة، إلى مزرعة تُدعى «مزرعة الزواحف»، ستجد هناك ما لم ترَهُ عينك من قبل، كمية هائلة من أنواع الزواحف المرعبة، والمخيفة، يستعرض مُرّوضوها، الذين يتعايشون معها باستمرار، مهاراتهم في كيفية التعامل معها تارةً، وتارة أخرى يستعرضون رقص أفعى الـ«كوبرا» التي تتمايل مع وقع المزمار والطبل الشعبي هناك، يتم كل ذلك في عرض لا تتجاوز مدته ساعة ونصف الساعة، وذلك لشدة خطورته، ويقدر سعر حضور العرض بـ200 «بات» تايلاندي، أي ما يُقارب أربعة «يورو».