يبدو أن النجمة الحاصلة على الأوسكار نيكول كيدمان، أرادت أن تُضيف إلى سيرتها المهنية دوراً مغايراً عمّا اعتادت تقديمه في أفلامها السابقة، فظهرت في عملها الأخير Destroyer وكأنها تدمّر كل صورة نحتفظ لها بها في ذاكرتنا، فبدت أشبه بكائن انسلخ من ذاته القديمة وارتدى شخصية غاضبة لا يقف في طريقها شيء، وتسعى للثأر بكل جوارحها. إعلان الفيلم وآراء النقاد ومعلقات المديح على الملصق تدفعك لرفع سقف توقّعاتك رغماً عنك، فقد ذهب بعضهم إلى اعتبار الفيلم أفضل دور لنيكول كيدمان في مسيرتها!، لكنني حاولت قدر المستطاع أن أتغاضى عن هذه الزوبعة التمجيدية قبل مشاهدة الفيلم، كيلا تؤثر في حُكمي عليه، ومارست اليوغا بمشاهدة فيلم Roma للمرة الثانية لأصفّي ذهني، ثم حجزت تذكرة لفيلم Destroyer، متجرداً من المقارنات المسبقة، وكأنني أشاهد كيدمان للمرة الأولى.
حاضر وماض
تدور أحداث فيلم Destroyer في خطين زمنيين؛ الحاضر والماضي، إذ يتناول قصة الشرطية إيرين التي تظهر في حالة يرثى لها، وتبدو يائسة من الحياة، ومثقلة بالذنب ولا دافع لديها لمواصلة العيش إلا وجود ابنتها المراهقة، ورغبتها بالانتقام من شخص عاد للظهور مجدداً، بعد أن تسبّب لها في الماضي بجرحٍ لم يندمل. يعتمد الفيلم أسلوب «الفلاش باك» بين حين وآخر ليعرض لنا الأحداث التي قادت إيرين إلى هذا الوضع، حيث كانت في شبابها تعمل شرطية متخفية برفقة صديقها، مندسّين وسط عصابة إجرامية تسرق البنوك.
قصة الفيلم تبدو مكررة ومتوقعة على نحو ما، وبالنسبة إلي فإن الجديد في الأمر هو تمثيل نيكول كيدمان. في هذه النوعية من الأفلام التي تعتمد على النجم الأوحد أتخوف دائماً من طغيان الشخصية على الفيلم، فتبدو وكأنها تلعب دوراً أكبر من دورها، فتظهر متكلفة بطريقة تُشعرك أن الفيلم صنع بأكمله فقط ليساعدها على نيل أوسكار أفضل ممثلة!، لكن نيكول كيدمان ظهرت طبيعية حسب ما تقتضيه الشخصية، فكان أداؤها متقناً ورزيناً ويدفعني لتصديقها على الرغم من أنني شاهدتها في عشرات الأفلام التي تلعب فيها أدواراً لا تشبه Destroyer من قريب أو بعيد. لكن أن يُقال أن هذا هو أفضل أدوار كيدمان فتلك هي المبالغة بعينها، والجحود لأدوارها الاستثنائية في أفلام مثل The Others وThe Hours وMoulin Rouge.
فيلم نموذجي
في الثلث الأول من فيلم Destroyer تثاءبت، وفي الثلث الثاني حبست أنفاسي، في الثلث الأخير صفّقت. فهذا الفيلم مثال نموذجي للتصاعد التدريجي في وتيرة الأحداث حتى بلوغ الذروة، لكن هذا الأسلوب قد يدفع المشاهد غير الصبور، إلى مغادرة القاعة بعد مرور أول نصف ساعة من الفيلم، كما حدث في القاعة التي ذهبت إليها حيث غادر بعض الشبّان متأففين ومتذمرين، ولا نلوم أحداً هنا، فللذائقة اعتباراتها الخاصة.
أعجبني أن فيلم Destroyer لم يتضمّن مثاليات وبطولات زائفة، بل أظهر الحقيقة والقبح والعنف دون عمليات تجميلية، ولم يُظهر البطلة في دور الفتاة الخارقة، بل جعلها تأكل نصيبها الوافر من اللكمات والركلات والإهانات. أجواء الفيلم ذكرتني بفيلم You Were Never Really Here بطولة خواكين فينيكس، من حيث طبيعة الشخصية وذكرياتها وشعورها بالذنب، والموسيقى التصويرية ولقطات «الفلاش باك» على طول الفيلم. نيكول كيدمان ظهرت بشخصية غير مسبوقة، لكنها جعلتني أشعر وكأنها أدّت أدوار الأكشن طوال مسيرتها، ومع ذلك فقد تمنيت لو أنها مُنحت نصاً أكثر ابتكاراً وعمقاً ليستوعب طاقاتها التمثيلية، ولعلها بهذا الفيلم ستلفت أنظار من يهمه الأمر من كتّاب الأكشن ومخرجيه.
تذكرة لي ولكم
توصية لبعض أفلام الممثلة نيكول كيدمان:
- The Others
- The Beguiled
- The Hours
- The Killing of A Sacred Deer
- Lion
- Stoker