اتفقت كثير من الأمم على توحيد تاريخ للاحتفاء بمناسبات معينة، لكن القليل يعلم أن يوم 21 مارس ليس «عيد الأم» العالمي، وإنما ابتكار عربي بحت، إذ تحتفل شعوب الكون بهذا اليوم في تواريخ وأوقات متباينة من السنة، تكريماً لسيرة الأم والاحتفاء بها، لكنها جميعاً حدثت تحت سقف تمجيد الأمهات والأمومة منذ قرون عديدة وحتى الآن.
ارتبطت عملية الخلق بالأم على مر التاريخ، وكانت الدهشة تصيب الإنسان الأول كلما تأمل الأم وهي «تحبَل» ثم تضع «حبلها» في طقس كوني مَهيب، فما كان منه إلا أن نصّبها «آلهة» يحيط بها الغموض، وهي تبدأ الخلق من رحمها، وقد تجلّى تقديس الأمومة في تسمية الألوهة بـ«الأم الكبرى».
طقوس واحتفال
ثم ارتحلت هذه الدهشة البدائيّة عبر الحضارات الإنسانية، ليُترجمها الفكر الأول بمَناسك تعبّدية تأسست ثقافياً على مفهوم العطاء الذي بَصَم مسيرة الأمومة، فجعلت «الأم الكبرى» تتكرّس في عيد طَقْسي يُحاكي فيه المتعبدون اللحظة المقدسة لخلق الكون، إذ نبع أول احتفال حقيقي من نوعه من اليونانيين القدامى، ليكون ضمن احتفالات الربيع، فكانت الهدايا تُجلب وتُوضع في المعبد لتبعث السرور على نفس الأم التي يقدسونها.
الحضارة الفرعونية
إذا حفرنا عميقاً في التاريخ المصري القديم، سنجد أن الاحتفال بـ«عيد الأم» مركوز في وجدان الفراعنة الذين يقدسون الأنوثة والأمومة، إذ كانت «الآلهة إيزيس» ترمز إلى هذه المعاني، وكان من تقاليدهم الدينية أن يُسيّروا مواكب من الزهور، تطوف في المدن المصرية القديمة إجلالاً للأم الكبرى.
نضال وسلام
في نهاية القرن التاسع عشر، ظهر ماضي الاحتفال بالأمومة، لتشهد أضابير التاريخ على انبثاق فجر المحاولات، لتأسيس ثقافي يعبّر عن مكانة الأمومة على المستوى الثقافي والاجتماعي الحضاري، فأطلّت الناشطة الأميركية جوليا وورد هاو، مُلوّحة بمقترح لتخصيص يوم للاحتفال بالأم، كان ذلك في 2 يونيو 1872، وجاءت مطالبتها به في سياق نضالي مُتَّقِّد لنشر السلام وتحقيقه في العالم، وتنظيم الأمهات المسالمات ضد الحرب، لإعادة ترتيب العالم على تلك الأسس الأنثوية التي تتضمن الرحمة والتعاون والرعاية، وهي ذات القيَم التي تؤسس فضاء الأخلاق الأمومية.
تقليد أميركي
لم تهدأ الأمهات وهنّ يُناضلن لإيقاف الزمن بُرهة لاستذكار قيمة العطاء الأمومي، فتتالت المحاولات من الناشطة الأميركية أنا ماري جارفيس، إذ ألهمها احتفالها بذكرى والدتها قيادة حملة قوية للاعتراف السياسي بتخصيص يوم في السنة للأم، وكان لها ما أرادت، إذ تكللت مساعيها بالنجاح في سنة 1914، عندما أعلن الرئيس الأميركي ويلسون، الأحد الثاني من مايو يوماً للاحتفال بـ«عيد الأم»، ثم عَمّ الإعلان الأميركي العديد من دول العالم، كلّ حسب ثقافته وتقاليده.
عقوق وعرفان
في الخمسينات، حضرت سيدة إلى مكتب الصحافي المصري مصطفى أمين، مؤسس صحيفة «أخبار اليوم» المصرية، وهي تحاول أن تلمّ شعث عمرها، لتحكي له قصتها مع أبنائها الذين أفنَت زهرة شبابها في تربيتهم، ثم عندما أشتد عودهم وكبروا تركوها وأهملوها، فحرّكت كلمات هذه الأم أنبَل مشاعره، فكتب في عموده اليومي اقتراحاً لتبنّي يوم يحتفل فيه المصريون والعرب بالأم، وفاء وعرفاناً لها بالجميل، وكان مصطفى أمين قد أورد هذا الاقتراح قبلاً في مؤلفه «أميركا الضاحكة»، وتفاعل القرّاء معه تفاعلاً منقطع النظير عبر الرسائل، فذهب مباشرة إلى وزير التعليم المصري، وكان حينذاك كمال الدين حسين، الذي أقنع الرئيس جمال عبد الناصر بفكرة «عيد الأم»، وبدأ أول احتفال بهذه المناسبة في 21 مارس سنة 1956، ومن مصر تناقلت الفكرة أغلب الدول العربية.
«عيد الأم» حول العالم
• العالم العربي: 21 من مارس.
• النرويج: ثاني أحد من شهر فبراير.
• البرتغال وإسبانيا: في بداية شهر مايو.
• فرنسا: الأحد الأخير من شهر مايو.
• أميركا اللاتينية: 10 مايو.
• الباراغوي: 15 مايو.
• بوليفيا: 27 مايو.
• الهند: 10 أيام متتالية في شهر أكتوبر.
• الأرجنتين: يوم الأحد من الأسبوع الثالث في شهر أكتوبر.
• صربيا: في نهاية شهر ديسمبر.
• إثيوبيا: عند انتهاء موسم المطر وبداية شهر الخريف.
• أميركا: ثاني أحد من شهر مايو، وكذلك في عدد من الدول الغربية والنامية الأخرى.