ينظرون في فسحة الضوء، بعيون تائهة، كمن يبحث عن خلاص، وننظرُ في عيونهم بحنان ملؤه الدهشة والحسرة من داء أصابهم في الصميم جاعلاً أصحاب «العقول الكبيرة» منهم ينسون حتى «أساميهم». هؤلاء، مرضى «ألزهايمر»، ينسون أنهم ولدوا وكبروا وتعبوا ونجحوا وتعلموا وفرحوا وأنجبوا ولمعوا وأدهشوا العالم والمحيطين بهم. هؤلاء أهلنا وأقاربنا وأصدقاؤنا ومعارفنا وربما، بعد حين، نحن. فماذا في جديد هذا الداء؟
نسمعُ تباعاً كلاماً كثيراً عن لقاحات من شأنها الحدّ من تدهور هذا الداء. نحاول ألا نُصدق المرض، إلى أن نسمع بأن أحدهم أصيب بـ«ألزهايمر» وأصبح غريباً حتى عن أولاده. نعود ونعير الدراسات كثيراً من الانتباه خصوصاً في كل مرة نرى الداء يقترب ممن نُحب، سعياً لاسترجاع الأمل بمصيرهم. نعم، ثمة أمل، وهناك لقاحات باتت تؤخر تراكم البروتينات الضارة في الدماغ والتي تسبب الداء. وثمة دراسات تجزم بأن الآتي أفضل.
لا لليأس
الداء يتربص بنا حتى هذه اللحظة، يمكننا تجاهله لمرحلة تأخيره، لكنه لا بد أن يعود وينتصر، لكن الدراسات الطبية على قدم وساق. الخبراء متفائلون، لكن بحذر، في شأن تطوير علاجات تساعد على وقف أو تأخير تطور المرض، الذي أدى الفهم المتزايد حول كيفية تفكيك المرض للدماغ إلى معالجات محتملة قد تُبطئ من تطوره. وأن علاجات مرض «ألزهايمر» تشتمل على مجموعة أدوية شبيهة بعلاجات عدد من السرطانات أو فيروس نقص المناعة «الإيدز».
على قدم وساق
عشرات التجارب السريرية تجرى تباعاً من أجل الحد من تفاقم هذا المرض المدمر وفي كل مرة تفشل فيها مثل هذه التجارب يقف من يقول: هل اكتشفنا حقاً جميع أسباب مرض «ألزهايمر»؟
ثمة تغيرات غريبة تحصل في دماغ المريض وتظهر بروتينات غير موجودة في الأدمغة الشابة، وهي لويحات توجد بين خلايا الدماغ والتكتلات الموجودة داخل خلايا الدماغ. وتبين لاحقاً أن المطلوب هو تخفيض مستويات «أميلويد» في الدماغ أو إزالته من أجل الحد من تدهور إصابات مرض «ألزهايمر» لكن كل العقاقير التي ظهرت فشلت؛ مما يدل على وجود سبب آخر غير «أميلويد» يسبب تطور حالات المرض، وبالتالي هناك من يرى وجوب إعادة التفكير في المرض كلياً والبحث مجدداً عن الجينات التي تزيد من خطر الإصابة بالمرض. وهناك من يطالبون بخيار آخر هو النظر إلى عوامل الخطر التي تعزز تطور حالات «ألزهايمر» وأبرزها مرض السكري من النوع الثاني. والسؤال ما العلاقة بين الاثنين؟
معلوم أنه في مرض السكري، يفقد الأنسولين قدرته على السيطرة على مستويات السكر في الدم، ودور الأنسولين يتجاوز مجرد التحكم في نسبة السكر في الدم كونه «عامل نمو» تعتمد عليه الخلايا العصبية أي الخلايا الدماغية في شكل كبير، وفي حال لم تحصل على ما يكفي تموت. ويبدو أن فقدان تأثيرات عامل نمو الأنسولين في الدماغ يجعل الخلايا العصبية عرضة للإجهاد ويقلل قدرة الدماغ على إصلاح الضرر الذي يتراكم مع مرور الوقت. ويعتقد الباحثون أن أدوية السكري قد تشكل علاجاً فعالاً للأشخاص الذين يعانون المرض.
إشارات تحذيرية
دراسات وأبحاث وأفكار وظنون واعتقادات.. ويبقى الحل الأجدى بمحاولة الوقاية منذ الصغر من الأسباب التي يُعتقد أنها وراء تفاقم حالات كهذه، كما السكري في نوعه الثاني أو الاكتئاب الذي ثبت ضلوعه في المرض، واكتشاف الإشارات التحذيرية للإصابة باكراً، في سعي لتأخير تفاقمها قدر المستطاع. فماذا فيها وماذا عنها؟ يجيب الاختصاصي في طب الشيخوخة الدكتور نبيل نجا: تسهم أنواع العلاجات المتوافرة في إبطاء تطور المرض لكنها لا تشفي ولا توقف تطوره ويستطرد: نادراً ما تظهر حالات «ألزهايمر» قبل سن الأربعين في حين ترتفع هذه الحالات بعد سن الـ85 بنسبة تلامس الـ50 %.
ويفترض أن يعرف من لديه في عائلته حالة من هذا النوع أصابت أباً أو أماً أو شقيقاً أو شقيقة أن احتمال إصابته يرتفع ثلاث مرات عن غيره.
هناك من يسمي حالات «ألزهايمر» خرفاً وهذا خطأ كبير، لأن الخرف كالمظلة و«ألزهايمر» يتفرع من هذه المظلة، وهو مرض دماغي يؤدي إلى تلف القدرة على التفكير والذاكرة، ويؤثر في المزاج والمشاعر وإحدى أهم الإشارات المبكرة التي قد تساهم في اكتشاف المرض باكراً هي فقدان حاسم الشم وفقدان الوزن.
حنان وحبّ
تنسون؟ كلنا ننسى. لكن هل هذا نذير إصابة قادمة؟ يجيب نجا: نسيان الأسماء أو المواعيد أمر مألوف في زحمة حياتنا اليومية لكن من تنسى كيف تعدّ طبقاً لذيذاً طالما عرفت به أو معلومة سمعتها للتوّ، أو الشعور بالمكان والزمان وتتوه في إطار جغرافي ضيّق طالما عاشت فيه، أو تضع المكواة في الثلاجة وقلادة في وعاء السكر فهذا نذير مرض زاحف. لا تُصابوا بالهلع وتذكروا أن مريض «ألزهايمر»، بعد أن يُصاب، قد لا يعود بحاجة إلى أكثر من حنان وحبّ فلا تبخلوا بهما عليه.