قصة إنسانية كبيرة تلك التي عاشها تولستوي وصوفي، ملأها العشق والتفاهم وانتهت إلى عزلة الكاتب عن كل ما يحيط به. ولد الكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي في (التاسع من سبتمبر 1828 في مقاطعة تولا، وتوفي في 20 نوفمبر 1910 من عائلة غنية ونبيلة). شخصية كبيرة ومتناقضة، اجتمعت فيها صفات عدة يذكرها الجميع: روائي عظيم، رجل يرفض الظلم، صاحب رسالة سلام إنسانية، نبذ العنف وكان أخلاقياً كبيراً، مغامراً حتى الضياع من أجل قناعاته، رفض نفاق الكنيسة الداخلي، تيتم في سن مبكرة، فأمضى بقية طفولته، مع مربيته تاتيانا. وفي عام 1844 التحق بجامعة كازان ليدرس اللغات الشرقية العربية والتركية، ثم القانون، لكنه لم ينهِ دراسته، ورث إقطاعية ياسنايا بوليانا التي كان يعمل فيها أكثر من 330 عائلة فلاحية، كان متعاطفاً معها، العسكرية وخوض الحرب ضد التتار علماه كيف يكون ضد العنف والحروب، سافر بعدها إلى أوروبا الغربية وتشبع بثقافتها، وعاد وهو يحلم بتعليم أبناء الفلاحين في مزرعته، كانت علاقته بالكنيسة الروسية الأرثوذوكسية سيئة، لأنه كان يرى فيها مبرراً لظلم الإقطاع، أهم فصل في حياته هو قراره الزواج، فقد ارتبط في عام 1862 بالكونتيسة صوفي أندريفيا، كانت زوجة متفهمة ومتفانية في خدمته، ومساعدته في كتاباته، بالخصوص عندما كتب «الحرب والسلام»، والتي شكلت لوحة كبيرة عن الحياة الأوروبية بين 1805-1820، وحرب نابليون ضد روسيا عام 1812. كان يحبها ويشعر بضرورتها العاطفية والعملية كلما غابت عنه، إذ كانت الأقرب إلى جنونه الأدبي والحياتي والقادرة على تحمله، حكت في كتابها السيري عن حياتها معه، كانت تسهر معه الليالي لإيجاد الخطط للتخفيف من صدامه مع الكنيسة فقد أثبتت أنها أفضل رفاق الحياة على الرغم من أنها كانت تصغره بـ16 عاماً. كانت كونتسة، فقبلت بالخروج من حياة البذخ والكذب، أنجبت 13 طفلاً، مات خمسة منهم في الصغر، نسخت مخطوط روايته الحرب والسلام الضخمة سبع مرات حتى كانت النسخة الأخيرة والتي تم نشرها.
لم تقبل الكنيسة آراء تولستوي التي انتشرت بسرعة كبيرة، فكفرتهُ وأبعدتهُ عنها وأعلنت حرمانهُ من رعايتها. كانت السنوات الأخيرة من عمره شاقة عليه وعلى صوفي، فقد أعلن الثورة على العنف والحرب والفقر، وغادر أسرته ليعيش حياة صوفية معزولة، فأثر ذلك في صحته، إذ أصيب بالتهاب رئوي، وتوفي في 20 نوفمبر 1910 في محطة قطار قرية استابو، وجد فيها متجمداً، كان عمره 82 عاماً، دفن في ضيعته ياسنايا بوليانا، ببساطة، كما أوصى، رفض تأبين الكنيسة، على الرغم من أن علاقته بصوفي استاءت في السنوات الأخيرة من حياته، فقد كانت هي كاتبته الأساسية، وهي من يلف سجائره، وهي من يوفر له سبل الراحة، بل كانت تقطع معه 20 كيلومتراً يومياً مشياً، وتتحمل مزاجه المتحول جداً، لم تكن طاغية، ولكنها كانت زوجة لنصف إله بالمعنى الإغريقي، تعبت منه ومن مزاجه، وتعب من حسها المادي، إذ لم تكن موافقة على منحه أراضيه للمزارعين وتخليه عن حقوق التأليف. بل أثر ذلك في علاقتهما، وأصبح يرى في الجنس شيئاً كريهاً ودعا البشرية إلى التخلي عنه، فكتب نصاً خلافياً: صوناتا لكرتزر، صادره القيصر، عبر فيه عن هذه الأفكار، فلم يرضِ ذلك صوفي لأنها شعرت بأنها هي المقصودة. فردت عليه برواية «من المخطئ؟»، نشرتها مع صوناتا لكروتزر في المجلد نفسه، لكن الرواية لم تنجح. في سيرتها «حياتي» ظلت صوفي وفيّة لمثلها الكبيرة، ومنها حبها الكبير لتولستوي.