في العام الماضي قدمت الدكتورة والباحثة الجزائرية الدكتورة عواطف زراري كتابها الرائع الذي يمثل إضافة مهمة في الكتب السينمائية العربية، ويتناول أحد أهم جوانبها عبر كتابها «الخطاب النسوي في السينما الروائية العربية، المرأة العربية من إرهاصات التغيير إلى سينما المرأة».
وحيث إن المؤلفة ذات بحث واستقصاء، كما كتبت لأكثر من مرة مثل موضوعاتها حول صورة المرأة في السينما الجزائرية أو صورة المجاهد في السينما الجزائرية، فإنها في بحثها الأوسع هذا، كما تشير في مقدمة كتابها، تحاول (جاهدة الاهتمام برؤية مغايرة للرؤية الذكورية من خلال التعرض للسينما المضادة التي نشأت في الجهة الأخرى، والتي تمثلت في السينما النسوية التي استطاعت بفضلها المرأة، أن تترك بصمتها الأنثوية على مختلف مجالات الصناعة السينمائية، سواء في الإخراج أم المونتاج أم كتابة السيناريو).
استقصاء اجتماعي
وعطفاً على أهمية هذا الموضوع، فقد بدأت المؤلفة كتابها في فصله الأول بدراسة واستقصاء فكري اجتماعي حول واقع المرأة العربية، وإرهاصات التغيير وصورة المرأة العربية اجتماعياً وفي الثقافة التقليدية، ومن ثم تطور هذه الصورة. ودور الحركات النسوية والحقوقية ولوائح المعاهدات الدولية والسياسية في دفع هذا التغيير.
قبل أن تتجه إلى محور الموضوع في الفصل الثاني والأهم من الكتاب، حينما تحدثت عن انعكاس الخطاب النسوي العالمي والغربي تحديداً، على السينما العربية منذ مرحلة الخمسينات وما قبلها كنموذج للمرأة الأسطورية، ثم الستينات ونموذج المرأة المتمردة ثم السبعينات، وسلطة الجسد الأنثوي عبر الشاشة ثم الثمانينات والتسعينات وتلك المحاولات في التقرب من الواقع الاجتماعي للمرأة.
لتتجه بعد ذلك إلى إشكالية مصطلح «فيلم المرأة» وما الذي يعبر عنه تحديداً: «نظراً إلى قلة عدد الأفلام أو المخرجات وعدم اكتمال التيار وتشتت الاتجاه والأفكار»، وهل هذا المصطلح يمكن إطلاقه على ما يعالج قضايا ومشكلات المرأة بصرف النظر عن جنس مبدعها؟ أم هو ما يطلق على الأفلام التي يقف خلفها مبدعة امرأة بغض النظر عن نوعية الموضوع الذي تتناوله حتى لو كان شأناً عاماً لا يتعلق بالمرأة وحدها!
قضايا مطروحة
بعد ذلك تذكر الدكتورة أهم القضايا المطروحة، فيما يسمى الفيلم النسوي العربي، ما بين طغيان الوضع الاجتماعي والجنسي في السينما المصرية، وطغيان موضوعات الحرب والصراع السياسي في السينما اللبنانية، مدعمة كلامها بطبيعة الحال بالعديد من الأمثلة فيلماً وإخراجاً. وإن كانت الكاتبة تشير إلى نوع من الاختلاف داخل هذه السينما العربية، حيث تستشهد بالناقد المغربي مصطفى المسناوي الذي يرى أن السينما في دول المغرب العربي ذات مسار مختلف عن سينما المشرق العربي في تقديم رؤية أكثر تقدمية لصورة المرأة في السينما.
بينما تختتم هذا الفصل الثري بما سمته معالم الخطاب النسوي السينمائي العربي، عبر معلمين مهمين هما: المرأة كرمز أيديولوجي في السينما العربية، حيث تقول: «إن تغيير صورة المرأة في المجال السينمائي وطرح قضيتها بجدية وبصورة إبداعية تسمح بترتيب الوضع النفسي وتكشف لنا هشاشة وضعنا الإنساني والعوالم المضادة وتسمح لنا بالإطلالة على النموذج المقهور وتحفزنا إلى تغييره ونقده...». بينما المعلم الثاني هو ما يتعلق بالتوجه الغربي للخطاب النسوي السينمائي العربي، حيث ترى ارتباط تلك القيم الغربية بالصورة التي رسمتها السينما النسوية العربية وخاصة فيما يتعلق بأمور الحب والمال والقوة، مدللة على كلامها بنماذج معروفة مثل المخرجات جوسلين صعب ومي المصري وإيناس الدغيدي.
سينما روائية نسائية
أما في الفصل الثالث والأخير والذي أخذ نصيباً كبيراً يتجاوز نصف هذا الكتاب القيم، الذي قدمته الدكتورة عواطف زراري في أكثر من 400 صفحة، فقد خصصته لذكر نماذج ونظرة على أهم أفلام السينما الروائية النسوية العربية، بداية من مصر مروراً بفلسطين ولبنان وسوريا والعراق والسعودية ثم المغرب العربي، متمثلة في أفلام تونس والمغرب والجزائر في ذكر طويل ودقيق عبر هذا الفصل لعدد من أهم الأفلام، ومحاولة استنطاق الحس النسوي فيها وعبر تصريحات مبدعيها من المخرجات السينمائيات كنماذج دالة على الأطروحة الأساسية للكتاب.