ستراتفورد.. المدينة التي أنجبت أحد أعظم نابغة في الأدب الإنجليزي، والعالم بأسره، كاتب قرأنا عنه وله الكثير من الأعمال الأدبية والمسرحية، من كلاسيكيات وروائع حفرت في الذاكرة، وما زلنا حتى اليوم نستشهد بأقواله وأفعاله، هو أيقونة الأدب الإنجليزي العالمي ويليام شكسبير، الذي ولد وترعرع بين أحضان مدينة ساحرة، رضع من طبيعتها الحكمة والتميز في توظيف اللغة، «ستراتفورد»، فهي رمز بريطانيا الثقافي، وهي أرض شكسبير.
مناسبات احتفالية
يعدّ معرض «موب»، من أكثر المناسبات التي يهتمّ أهالي ستراتفورد بحضورها، فالمعرض لا يخلو من المرح الذي يرافق الباعة من المحلات التجارية خلال عرض منتجاتهم المميزة من الجلود الفاخرة، ويهدف المعرض الذي يقام في شهر أكتوبر من كل سنة إلى تقليص نسبة البطالة، والمحافظة على اليد العاملة في المنطقة. أما «مهرجان شكسبير»، فهو احتفال مقدّس، يشارك فيه المثقفون، وعدد كبير من طلاب الجامعات، تغنى خلاله العديد من قصائد الشاعر الجميل، ويتمّ ارتداء ثياب تقليدية تشبه تلك الثياب التي كان يرتديها البريطانيون خلال العصور الوسطى.
تعتبر مدينة، أو بالأحرى، بلدة ستراتفورد، من أبرز وأهم المناطق جذباً للسياح في بريطانيا، يزورها سنوياً ما لا يقل عن 5 ملايين سائح، تقع على ضفاف نهر أفون، جنوب غرب مدينة برمنغهام بمسافة 35 كم، في مقاطعة ورويكشاير الريفية، يقطنها ما يقارب 25 ألف نسمة، أغلبهم من السكان الأصليين، وقليل من المهاجرين، على الرغم من اسمها الذي تعود عليه البريطانيون، إلا أنه تمّت إضافة «آبون أفون» للاسم السابق لها، لتفريقها عن عدد من المدن التي تحمل التسمية نفسها، وأبرزها مدينة ستراتفورد الكندية، التي استعانت بالاسم تخليداً وتكريماً للكاتب المسرحي العالمي ويليام شكسبير.
سياحة أدبية
تحتل السياحة الثقافية والأدبية في ستراتفورد، حيّزاً مهماً في تاريخ بريطانيا، كيف لا وهي مسقط رأس أحد عمالقة الأدب الإنجليزي، الذي ولد بين أحضان هذه المدينة الجميلة عام 1564، هي اليوم مدينة تفخر برحمها الذي أنجب واحداً من رموز الثقافة الوطنية، فخر البريطانيين حيثما ذهبوا.
ستلاحظون خطوات ويليام شكسبير، أينما اتجهتم في ستراتفورد، عليكم بداية زيارة ضريحه بكنيسة «سانت ترينيتي»، حيث يرقد إلى جانب زوجته آن هاثاواي، وابنته سوزانا هول، منذ عام 1616، سترى ضريحه مكلّلاً بباقات من الورود. تستقبل الكنيسة أكثر من 200 ألف زائر سنوياً، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن 13 ميلادي، تتميز بطرازها القوطي الجميل، وبتاريخها العريق الذي يروي حقباً زمنية مختلفة في كلّ شبر منها، وذات الأهمية تحملها كنيسة «سان كروا» أو كما يسميها السكان هناك «قلعة الجيلد»، الأقدم في ستراتفورد، بُنيت عام 1269 بشكل عموديّ يشبه القصور، وتحتلّ مكانة مهمة في ترسيخ الأخوّة ومبادئ التسامح.
معالم شكسبيرية
يركز أغلب السياح خلال سفرهم إلى ستراتفورد على اكتشاف موطن شكسبير، فغالباً ما تنحصر الزيارات في أبرز المعالم الثقافية التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة أيقونة الأدب المسرحي، ستتمكنون في هذه المدينة من زيارة بيته الخشبي الجميل، الذي تمّ إدراجه ضمن الكنوز الأثرية والوطنية التاريخية في المملكة المتحدة، الواقع في شارع هينلي بمركز المدينة، ستتنشقون فور دخولكم عبق بطولات شكسبير المسرحية، مستشعرين أشعاره وكتاباته وأعماله التي ستلاحظونها معلقة على شكل بورتريهات تحمل تواقيعه.
أما البيت الذي يحمل اسم «نيوبالاس» أي القصر الجديد، وهو الاسم الذي أطلقه عليه شكسبير عندما اشتراه عام 1597، كما تناقلته الروايات، فهو بيت العائلة، يتكون من طابقين، ويضمّ غرفاً فاخرة يصل عددها إلى 6 غرف شاسعة المساحة، هي اليوم بمثابة متحف وطني للمدينة، فالمكتبة التاريخية التي كان يمضي شكسبير فيها أغلب أوقاته، يزورها اليوم الآلاف من السياح يومياً، تضمّ بين رفوفها مؤلفات أدبية قديمة محفوظة بإحكام.
بيت سوزانا
لا يقلّ بيت سوزانا ابنة ويليام شكسبير أهمية، عن بيت والدها فسوزانا العاشقة للقراءة والأدب كانت زوجة لأحد أبرز الأطباء في ذلك العصر، كان الدكتور جان هاول، من أكثر المعجبين بأعمال والدها، ولقد سجلت له العديد من الإشادات في مدحه من خلال بعض من أعمال شكسبير، كان يمتلك بيتاً يعلق على جدرانه أبرز المقولات التاريخية التي تعود لعملاق الأدب الإنجليزي، بيته مازال يعتبر من أجمل وأفخم المنازل في ستراتفورد، تحيط به حديقة ساحرة، فيها أنواع مختلفة من الأعشاب الطبية النادرة، كان يستخدمها الطبيب كعقار لعلاج بعض الحالات المرضية، وأشجار باسقة تزين مساحة البيت الخارجية، ما زالت جدرانه المزينة بأعواد الخشب متماسكة، بسقفها القرميدي الجميل.
آل آن هاثاواي
أما بيت آل آن هاثاواي (زوجة الشاعر)، فيعد أيقونة بيوت القرون الوسطى في المدينة، وهو مصمم على طراز «تيودور» المعماري الجميل، وقد حافظ عليه الأحفاد مدة طويلة، ويظهر ذلك جلياً في شكل الأثاث القديم الذي لا يزال متماسكاً، إلى جانب بعض المفروشات واللوحات الفنية التي يعود تاريخها إلى القرن 16، تشكل الحديقة المحيطة بالبيت بعداً طبيعياً جميلاً، يعكس عشق «آن»، الفتاة الجميلة التي سحرت شكسبير حباً للطبيعة. يروى أن أحفاد وورثة عائلة «آن» قرروا بيع البيت الجميل عام 1899، لكنه سرعان ما استرجع ليتمّ إدراجه ضمن المعالم التراثية الوطنية، إلى جانب منزل «توماس ناش» زوج «إيليزابيث» الابنة الصغرى لشكسبير.
جمال فتان
ستمنحكم زيارة حديقة بانكروفت، متعة مختلفة في هذه المرة، ليس بالتنزه والمشي في ممراتها الجميلة فحسب، بل بتخصيص جزء منها للركوب في قواربها، ليأخذكم الدليل السياحي في رحلة ممتعة، عبر قنوات نهر آفون، وسترون بلدة ستراتفورد من جانب سياحي مغاير، بعيد عن الثقافة نوعاً ما، ستلاحظون جمال الجسور التي تشبه جسور مدينة فينيسيا الإيطالية العتيقة، تصل بين ضفاف المدينة، والبيوت القوطية الجميلة، التي تطل على النهر المرتبط مباشرة بقنوات نهر مدينة بيرمينجهام الجميلة، في منظر يأسر النفس البشرية العاشقة للطبيعة والجمال الإلهي الفتان.
حرف تقليدية
كانت بلدة ستراتفورد قديماً، تعجّ بالأسواق المختصة بصناعة ودباغة الجلود، حتىّ جاء الملك ريتشارد فقام بإصدار ميثاق ملكي، يأمر بتقليص عدد الأسواق وتنظيمها عام 1198، وشيدت على إثرها العديد من المنازل الجميلة ورصفت الشوارع وزينت الحدائق، ومازال الكثير من محلات دباغة وصناعة الجلود القديمة تستقبل المئات من الزوار في مركز المدينة، فهي حرفة تقليدية، يمتدّ تاريخ وجودها إلى آلاف السنين، وقد توارثها السكان أباً عن جدّ.