«كارلوفي فاري».. جوهرة المدن التشيكية. مدينة وقع في غرامها جميع من زارها، حباها الله بطبيعة خلابة، تحفُّها الأشجار والجبال من كل صوب، وبكنز طبيعي لا يعد ولا يحصى من الينابيع المعدنية العلاجية الساخنة، يصل عددها إلى أكثر من 123 ينبوعاً. هي اليوم القبلة السياحية المفضلة للمشاهير والممثلين العالميين، وأبرزهم: شارون ستون، مايكل دوغلاس، روبرت دينيرو، سكارلت جوهانسون، وأنطونيو بانديراس.
تقع «كارلوفي فاري» على بعد 130 كيلومتراً من العاصمة التشيكية براغ، مدينة تحظى بجمال ساحر، وسط طبيعة مخضرّة، وغنية بأحواض المياه الجوفية والمعدنية الساخنة، المنتشرة في أودية سفوح الجبال المحيطة بها، يتحدث سكانها اللغة التشيكية، وهي لغة قريبة جداً من اللغة السلوفاكية، أما العملة المتداولة فهي الكرون التشيكي، واليورو. للمدينة تسمية قديمة أخرى هي «كارلسباد»، وهي كلمة ألمانية قديمة، أمّا اسمها الحالي فيعود لمؤسسها الإمبراطور الروماني كارل الرابع عام 1370. وهي اليوم المدينة الأكثر استقطاباً للسياح في جمهورية التشيك وأوروبا، بفضل هندسة معمارها المتميزة والفريدة من نوعها، والأهم هو اعتبارها أجمل محطات السياحة العلاجية، بفضل مخزون مياه الآبار الجوفية والمعدنية الساخنة، ولعلّ نبع «فريدلو» الحراري الساخن، من أكثر الأماكن زيارة في «كارلوفي فاري»، فهو المنبع الرئيسي الوحيد الذي يوزع مياهه على الحمّامات الساخنة في المدينة، نظراً إلى كمية المياه الجوفية الساخنة التي يحويها، والتي تُعتبر مصدراً لعلاج العديد من الأمراض المزمنة، إذ يصل ارتفاع حرارة الماء فيه إلى 72 درجة مئوية، ويرتفع منسوب مياهه إلى علوّ أكثر من 12 متراً، في قوة اندفاعية يتدفق منها نحو 2000 لتر في الثانية الواحدة، لذلك وجب الحرص على البقاء بعيداً عنه، لأنه حارق، ويمكن لأي شخص يقترب منه أن يصاب بحروق، ما جعل البلدية تُسيّج المنبع بأعمدة رخامية تُقاوم درجات الحرارة العالية من حوله.
حقول الورد
يحظى سكان «كارلوفي فاري» باحتفالات عديدة نجد أبرزها مهرجان الورود، حيث تضم المدينة مساحات شاسعة من حقول الورود والأزهار الندية والعطرة، يتم خلال الاحتفال توزيع باقات من الأزهار على المارة، في بهجة وفرح يُسعد كل من شهد تلك المناظر الملونة بقوس قزح. وهناك احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة، والتي تختلف كثيراً عن تلك التي نعرفها، سيكون الزائر لها محظوظاً جداً لو صادف وجوده في المدينة احتفالات رأس السنة؛ لأنها تتخذ بُعداً دينياً أكثر من كونها مجرد احتفال بقدوم سنة جديدة، حيث يُصاحب يوم الـ31 من ديسمبر ولادة القديس «سان سيلفيستر»، المقدس كثيراً من قبل التشيكيّين، ويعتبر طبق «السمك المشوي والمحشي بالتفاح»، من الأطباق الرئيسية على كل مائدة في بيوت سكان المدينة، إذ يعتبر رمزاً للثراء والسعادة وجلب الحظ، والطريف أنه يُمنع منعاً باتاً خلال ذلك اليوم، وجود أو تحضير أطباق الدواجن أو اللحوم، باعتبار السمك مصدراً مهماً للرزق، ويستبشرون به خيراً.
معالم تنضح تاريخاً
تضم المدينة عدداً كبيراً من المباني والعمران والنصب التذكارية، التي تجسد المعنى الحقيقي لثقافة المنطقة، فهي من بين المدن القلائل جداً ممّن لم تدخُل الحرب العالمية الثانية، وحافظت على جمالها ورونقها. أمّا لمحبي الغوص في التاريخ، فنمنحك جولة إلى متحف «جان بيتشر» المعروف بعرضه لكمية وأنواع هائلة من مشروب «بيتشروفكا» المرتبط بتاريخ المدينة القديم، فكل مجموعة تروي عن حقبة تاريخية معينة للمدينة وسكانها. ولمتعة أكبر، عليك بزيارة متحف «موزر» الذي يعرض مجموعة كبيرة من التماثيل والنصب التذكارية المشغولة بالزجاج والكريستال وخزف البورسلان، كما يمنح المتحف للزوار في إحدى زواياه متعة لا مثيل لها، خلال عرض أحد أفراد مصانع الكريستال المنتشرة في المدينة، طريقة صنع المجسمات الكريستالية والخزفية تتخللها دهشة وفضول كبيران للموجودين هناك؛ لكيفية صهر الزجاج وتشكيله لمجسمات خرافية في وقت سريع.
فندق «العميل 007»
فندق «جران هوتيل بيوب»: كان في الماضي عبارة عن قصر يستضيف شخصيات المجتمع الراقي، وعدداً من رؤساء الدول، وكبار الشخصيات اللامعة مثل بيتهوفن، كارل ماركس وآخرين. وهو اليوم من أبرز وأشهر الفنادق على الإطلاق، بطرزه الكلاسيكية الأنيقة، وفخامة مطاعمه، والذائقة التي يمنحها لنزلائه المخمليّين من راحة وبذخ وأطباق تشيكيّة لذيذة وفاخرة، أبرزها طبق «فيليه اللحم باليقطين». هذا الفندق الذي ظن جميع من شاهد أحد سلسلة أفلام جيمس بوند «العميل 007»، أنه يقع في مونتي نيجرو، لكنه في الواقع، موجود في «كارلوفي فاري».
مهرجانات واحتفالات
لا يقل مهرجان السينما السنوي الفخم في «كارلوفي فاري» أهمية عن «مهرجان كان السينمائي»، حيث يعود تاريخ أول احتفاء به لعام 1946، ويستقبل المهرجان عدداً ضخماً من ألمع نجوم «الفن السابع» في التشيك وأنحاء العالم كافة، ويعرض قرابة أكثر من 300 فيلم جديد من مختلف أنحاء العالم، وقد حاز المهرجان، لأكثر من مرة، على جائزة «الكرة البلورية» خلال حفل الاختتام، كأفضل وأفخم مهرجان مستضيف وعارض.
ذوق وذائقة
من ألذ الحلويات المشهورة في «كارلوفي فاري»، الفطائر المسكَّرة، وتعتبر من المأكولات الشعبية والتقليدية في المنطقة، حيث لا يخلو بيت أو شارع إلا وتجد فيه هذا النوع من الفطائر، ويقال إن تاريخ صنعها يعود لعام 1800، حيث كان يتم تحضيرها من قِبل مضيفي الحمامات الساخنة لكبار شخصيات المجتمع الإمبراطوري الراقي حينذاك، كونهم أصحاب ذائقة مخملية. وتقدم الفطائر كوليمة غذاء ساخنة فوراً بعد الانتهاء من الاستحمام. ولم تنتشر عند عامة الناس حتى عام 1867، عندما تم إنشاء أول مخبز. أما اليوم فتنتشر مخابز متخصصة فقط بصنع هذا النوع من الحلويات بأشكال وألوان مختلفة وعديدة، ذلك أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ وعادات وتقاليد سكان المدينة.