احتفل العالم مؤخراً بـ«اليوم العالمي للرقص» في الـ29 من أبريل. وهو احتفال سنوي بدأ منذ عام 1982، تقديراً من «اليونسكو» لأهمية هذا الفن في التاريخ الإنساني. ولا حصر هنا لأنواع الرقص، لعل أبرزها: الرقص الشرقي، وهو فن احتفالي اكتشفه الإنسان ليستطيع من خلاله أن يعبر عن مشاعره. «زهرة الخليج» ترصد علاقة بعض المثقفين بالرقص الشرقي وشغفهم به.
إدوارد وكاريوكا
لم يخفِ المفكر الأميركي ذو الأصول الفلسطينية إدوارد سعيد إعجابه بـ«ملكة الرقص الشرقي» تحية كاريوكا، فكتب عنها مقالاً لافتاً بعنوان «تحية إلى تحية» سنة 1990 ضمّنه في كتاب «تأملات في المنفى». وصف فيه كاريوكا بأنها كانت تقف في قلب النهضة المصرية في القرن الـ20 إلى جوار كتاب وفنانين مثل توفيق الحكيم وطه حسين وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب ونجيب الريحاني، وما إن وافتها المنية حتى عاد وكرّر الكتابة عنها، مستكملاً قراءته، فكتب «وداعاً تحية»، وقال إنها تنتمي «إلى عالم النساء التقدميات اللواتي يتفادين الحواجز الاجتماعية أو يزلنها».
تحية كاريوكا اسمها الحقيقي هو «بدرية محمد كريم»، بدأت الرقص في سن صغيرة، ولكنها اشتهرت في عام 1940، وقدمت رقصة «كاريوكا» العالمية المعروفة باسمها إلى اليوم.
وصف الروائي الكولومبي الراحل جابرييل ماركيز، الحائز جائزة نوبل، مواطنته الفنانة الشهيرة في عالم الأغنية الراقصة شاكيرا بأنها «الوردة النارية» و«أجمل مجنونات العالم» وقال عنها: «لا أحد بوسعه أن يغني ويرقص مثل شاكيرا، إذ تبدو وكأن هذه الأحاسيس البريئة من اكتشافها هي وحدها، صاحبة تأثير هائل، والنموذج الأمثل لقوة أرضية في خدمة السحر».
اشتهر الشاعر المصري إبراهيم ناجي برومانسيته ورقته، وكانت المرأة الملهمة دائما حاضرة في قصائده، إعجابا بها وعشقا لها أو لفنها وموهبتها، وكانت إحدى أشهر الملهمات الراقصة سامية جمال «راقصة القصر» التي تربعت حينها على عرش الرقص الشرقي، وعندما طلبت منه أن يصفها صاغ قصيدته «بالله ما لي وما لك». كانت سامية ترقص بحذاء ذي كعب عالٍ، وعندما كُسر مع أول خطوة، ما كان منها إلا أن خلعت الحذاء ورقصت على أطراف أصابعها وهي حافية، فأطلقوا عليها «حافية القدمين»، وهو الاسم الذي اقتبس منه الشاعر نزار قباني قصيدته الشهيرة التي غنّاها كاظم الساهر.
سامية جمال لقبت بكثير من الألقاب في مصر من ضمنها «الكهرمانة» و«العفريتة السحرية»، فتألقت واستطاعت أن تكون في صدارة فنانات وراقصات الزمن الجميل على الشاشة الذهبية وعشقها فريد الأطرش كثيراً.
مع أنها لم تكن محسوبة على الراقصات الشرقيات، إلا أن رقص «سندريلا الشاشة العربية» الفنانة سعاد حسني لم يُنسَ في بعض أفلامها، إذ تلقت دروساً فيه على يد الراقصة تحية كاريوكا، وقصتها الأكثر شهرة مع الأدباء هي مع الشاعر والمفكر صلاح جاهين الذي وصفها بأنها «زي الفراشة»، حسب تعبيره، وكتب لها الكثير من الأغنيات، وتعرض للهجوم بعد بداية عمله معها، إذ إنها كانت تعتبر نقلة مفاجئة في مسيرته الثقافية؛ بعد تقديمه أبرز الأغنيات الوطنية المصرية، وقد قالت سعاد بعد وفاته إنها كانت «الملهمة التي تستمتع بدورها في جمع زهور الإلهام لتقدمها للشاعر».
تعد سهير زكي من أشهر وأهم فنانات الرقص الشرقي اللاتي تركن بصمة في هذا المجال ولدت في مدينة المنصورة في عام 1945، عملت في السينما، بدأت مشوارها مع الرقص الشرقي من مسارح الثغر ، ثم اتجهت إلى القاهرة ورقصت في برنامج «أضواء المسرح». كانت أول راقصة مصرية ترقص على أغاني «كوكب الشرق» أم كلثوم بداية من أغنية «ألف ليلة وليلة».
اما نجوى فؤاد فهي إحدى أهم الراقصات في تاريخ مصر، وأحد أعمدة الرقص الشرقي وكبار الفنانات في السينما ، مولودة من أب مصري وأم فلسطينية عشقت الرقص وعملت به في إحدى الصالات، وقامت بعد ذلك بالمزج بين الرقص والتمثيل وشاركت في الكثير من الأفلام وأسست شركة للإنتاج السينمائي لإنتاج الأفلام..
الراقصة والسياسي المثقف
عندما حضر وزير الخارجية الأميركي الأسبق، وأشهر السياسيين والمثقفين في العصر الحديث، هنري كيسنجر، حفل عشاء رسمياً في مصر أحيته الراقصة نجوى فؤاد، لم يستطع الحفاظ على وقاره وهيبته فتخلى عن دبلوماسيته واندفع إلى خشبة المسرح ليرقص معها وهو يصرخ: «بيتوفل» أي رائع، وكتب بعد ذلك في مذكراته «(كانت تبهرني)، بل أعتبرها من أهم الأشياء الجميلة التي رأيتها في العالم العربي إن لم تكن الشيء الوحيد»..
أهدى الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ جائزة نوبل التي نالها إلى «زبيدة» الراقصة والعالمة بطلة «ثلاثيته» الشهيرة، وإن كان الإهداء حمل طابع السخرية من تحوّل القيم؛ لأن «الراقصة تجني أكثر مما يجني الأديب»، لكن الإهداء حمل كذلك في أعماقه تمسكاً بالحارة، بالمقاهي، بالعوالم، كل شيء عزيز على قلب الروائي، من هنا كان صادقاً، فنص محفوظ ينسلّ من جسد الراقصات كما ينسلّ من الحارات القاهرية.
وكانت الراقصة أيضاً رمز الإلهام الذي جعل الكاتب المصري إحسان عبد القدوس يُحضرها في دور البطولة، في كثير من أعماله الأدبية وأشهرها روايته «الراقصة والسياسي» التي تحولت إلى فيلم سينمائي لاقى إقبالاً جماهيرياً واسعاً.
عودة للمسرح
في القرن الـ19 بدأ الرقص الشرقي ينتشر أكثر كمهنة، إذ ظهرت مجموعات راقصة، وهو ما سمي في ذلك الزمن بالغوازي والغجريات، اللائي كن يرقصن في الموالد والأفراح. على أن الأمر اتخذ منحىً تخصصياً حينما ظهرت فئة العوالم اللائي خبرن الألحان والمقامات وبعض أسرار الموسيقى وعلاقتها بحركات الرقص.
في النصف الأول من القرن الـ20، افتتحت في شارع «عماد الدين» في القاهرة أول صالة رقص تملكها راقصة لصاحبتها الفنانة بديعة مصابني، التي استعادت الرقص من الشارع إلى خشبة المسرح، إذ أسست مسرحاً استعراضياً تخرج فيه أهم الفنانين والراقصات، مثل تحية كاريوكا وسامية جمال، وعرف الرقص الشرقي في سنوات الأربعينات والخمسينات أوج نجاحه مع السينما المصرية، وفي عام 1958 تم تتويج الراقصة نعيمة عاكف أفضل راقصة في العالم في «مهرجان الشباب العالمي» في روسيا.
مع بداية السبعينات برز فيلم «خللي بالك من زوزو» الاستعراضي كأحد أهم أفلام السينما المصرية، كتبه صلاح جاهين وأخرجه حسن الإمام ومن بطولة سعاد حسني وحسين فهمي، وعكس بوضوح تحول بنية المجتمع المصري آنذاك، فظهرت فيه الراقصة طالبة جامعية تتمرد على الصورة النمطية للراقصة.
نعيمة عاكف عاشقة للرقص، نالت لقب «أحسن راقصــــة في العالم» خـــــــلال «مهــــرجان الشباب العالمي» بموسكو عام 1958الذي شاركت فيه 50 دولة.
بديعة مصابني ولدت فـي لبنان عام 1892، وتعد واحدة من أشهر فنانات الرقص الاستعراضي، عاشت فترة من عمرها في مصر، ومن حبها للرقص أسست فرقة خاصة بها للرقص والتمثيل المسرحي، باسم «فرقة بديعة مصابني».