كل شيء بدأ بلقاء هارب لم يكن مخططاً له سلفاً. صدفة الأمكنة المشتركة التي تغير المصائر. لم تكن امرأة عادية ونادراً ما تجتمع الصفتان: الجمال والثقافة الذكية، كذلك كانت بلقيس. كان نزار مدعواً لأمسية شعرية أقيمت في حديقة كلية التربية في بغداد عام 1962. كانت أمسية رائقة اكتشف الكثيرون من خلالها نزار قباني الشاعر الحساس والعاشق. وعندما رفع رأسه ليستعيد بيته الشعري، اصطدمت عيناه بعينين واسعتين حارقتين تستفزانه بجمالهما. ترمقانه بإعجاب كبير. تلك هي بلقيس الراوي. وبابتسامة كان من الصعب عليه مقاومتها، توقف نزار قليلاً، تأملها، قبل أن يواصل أمسيته. منذ تلك اللحظة شعر بأن ملامح قدر جديد في حياته قد ارتسمت، وأنه قد أصيب بها. شابة جميلة في الـ20 من عمرها. تمتد نحو سماء عراقية كنخلة. تحادثا طويلاً بعد الأمسية ليكتشف أنه كان يقف في مواجهة ليس فقط امرأة جميلة، ومعجبة بشعره، ولكن أيضاً بامرأة مثقفة كانت لها وجهة نظرها في الحياة والشعر والحب.
ذهب إلى أهلها في الأعظمية، وطلب يدها من والدها، لكن هذا الأخير رفض المقترح بلا حجة واضحة باستثناء عامل السن، إذ إن نزار كان يكبر بلقيس بـ18 سنة. ناهيك عن أنه كان متزوجاً سابقاً وله ابنان. ثم إن سمعته الشعرية لم تكن مريحة لعقلية الأب، فنزار شاعر المرأة بامتياز. كان ذلك أول صدمة عشقية لنزار. لكنه ظل متواصلاً معها.
وفي 1969، بعد سبع سنوات من الزيارة الأولى، سافر نزار لحضور مهرجان في بغداد، وألقى قصيدة فتحت له الطريق نحو بلقيس. فكان سلطان الشعر أقوى من رفض الأهل.
مرحباً يا عراقُ، جئت أغنيك
وبعـضٌ من الغنـاء بكـاءُ
تدخل رئيس العراق وقتها محمد حسن البكر، على مستوى عائلة بلقيس، بعد أن مسته القصيدة. زوجوهما. 10 سنوات مرت على ذلك الفرح، وتحديداً في15/12/1981، كانت الفجيعة. يقول نزار عن ذلك اليوم: كنت في مكتبي بالحمراء حيث سمعت دوي انفجار هز أوصالي ولفظت يا ساتر يا رب، وبعدها أتى من يخبرني أن هذا التفجير في السفارة العراقية، فعلمت أن بلقيس قد ماتت وتركتني وحيداً في هذا العالم الوحشي. كان حدسه مصيباً. فكتب مرثيته العظيمة التي خلدتها.
شُكراً لكم ...
فحبيبتي قُتِلَت، وصار بوُسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة
وقصيدتي اغْتِيلتْ،
وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ
– إلا نحنُ – تغتالُ القصيدة؟
فكانت فجيعتها نهاية الحياة بالنسبة لنزار.