استهوتها النظرة إلى السماء ومراقبة النجوم والأفلاك، ولأن النجوم طالما ارتبطت بالبحر ومرتاديه، حددت الإماراتية «سحر راستي» مسيرتها المهنية لاحقاً لتكون أول إماراتية تعمل في مجال الملاحة البحرية. ووظفت شغفها لتغيير الصورة النمطية الاحتكارية للقدرات والمهن لجنس دون الآخر، هذا الشغف الذي أكسبها الصبر اللازم لترك الحياة الشخصية، والتفرغ لهذا النوع من العمل والدراسة شبه العسكرية والسفر المتكرر.
• لماذا اخترت العمل في مجال الملاحة البحرية؟
أشجع حرية الاختيار، أياً كان اختيار المرأة فهو ملكها هي، مع احترام الفوارق بين البشر. ما يصدر عني مما يقبله فكر المرأة هو تشجيع غير معلن مني لها، فإن وجدت من الناس ما لا ترضى به لنفسها فلتتركه. ما أشجع نفسي وغيري عليه دائماً هو الفكر المستقل، كأن تقرأ كتاباً ولا تتأثر بأفكار الكاتب، بل تأخذ منه فقط ما يرضي قناعاتها. كما أتيحت لي فرصة الانضمام للمنظمة البحرية والتجارية النسائية «ويستا»، التي تؤدي دوراً فاعلاً في تشجيع انضمام العنصر النسائي لقطاع الملاحة ودعم نجاحاتهن بشكل كبير. وتمت دعوتي أيضاً للمشاركة في مؤتمر رابطة المرأة العربية التابعة للمنظمة البحرية الدولية كأول قبطان بحري يشارك في الرابطة.
نقطة تحول
• كيف تنظرين إلى أهم المحطات في حياتك المهنية؟
بدأت عملي في عام 2015 بموانئ أبوظبي بمنصب مساعد إداري، ثم انتقلت إلى مهمة منسق الخدمات الملاحية كأول إماراتية تعمل في هذا المجال، ومن ثم حرصتُ على التدريب لأشهر عدة، لاكتساب مزيد من المهارات، التي جعلتني أتعرّف إلى كل شيء في السفينة، وكيفية استخدامها، وامتلاك مهارات التعامل مع حالات الطوارئ باحترافية.
والمحطة الثانية، كانت تجربتي كقبطان وهي مرحلة مهمة، رائعة مليئة بالتشويق، وقد كانت نقطة تحول هامة في حياتي، وأسهمت في صقل شخصيتي. فقد تمكنت من اجتياز برنامج تأهيل قباطنة السفن تحت 24 متراً، وتمكنت خلال ثمانية أشهر من الإبحار أكثر من 1300 ساعة، وتعد هذه التجربة نقلة نوعية أسهمت في تعزيز شخصيتي، فأصبح لدي إيمان أعمق وأكبر بأن الفروق بين الجنسين مجرد حواجز نفسية وخيالات وهمية.
• ما أسرار البحر التي تعرفت إليها خلال رحلاتك؟
أمضي أياماً طويلة في البحر، حيث تتجاوز ساعات عملنا الـ14 ساعة يومياً. يقولون (البحر غادر) وهي مقولة صحيحة للغاية، فبالرغم عن عشقي للبحر، ولكن تجربة الإبحار تتطلب الحذر الشديد، نظراً إلى إمكانية تقلب الجو في أي وقت. فلا أنسى الموقف الذي مررت به عندما كنت بعرض البحر، وواجهتنا رياح شديدة مما تسبب في صعوبة السيطرة على السفينة، بسبب ارتفاع وقوة الأمواج التي ضربتنا من الجوانب كافة؛ لكنني تمكنت من الخروج من التجربة بسلام، وكان هذا درساً عملياً لي في تعلّم فنون الحيطة والحذر، فالبحر مملوء بالحكمة والعلم بلا حدود، وتحمل نسماته مشاعر للتأمل في عوالم تتعدى العالم الذي نعيش فيه.
• كيف انعكست نظرتك، كامرأة، إلى قطاع ذكوري إلى حد ما؟
ندرة العنصر النسائي في المجتمع البحري شكلت تحدياً لي، لكن النساء في منطقة الخليج العربي يمتلكن الدافع والموهبة اللازمتين، لتحقيق النجاح والوصول إلى المستويات الوظيفية الأعلى، ويرغبن في الاجتهاد في العمل لتحقيق ذلك. وفي الحقيقة، تعتبر المرأة أحد الموارد الضخمة غير المستغلة من قبل المؤسسات والشركات في منطقة الخليج، ولكن توجد معوقات كبيرة تحول دون الاستغلال التام لهذه المواهب.
ترسيخ المساواة
• هل من اقتراحات لتمكين المرأة في مختلف القطاعات الاقتصادية الهامة؟
تمكين المرأة الإماراتية من استثمارات الدولة الناجحة، فوجودها ومشاركتها في مختلف القطاعات أمر ضروري جداً، ويجب أن تتلقى الدعم اللازم وأن تأخذ مكانتها الطبيعية في عالم الأعمال والتنمية المستدامة، وأن يكون لها حضورها وتأثيرها في عالم ريادة الأعمال وإنشاء المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأن تحظى بفرص التمكين أسوة بالرجل، إضافة إلى ضرورة وضع وجه خاص لكل قطاع بحيث يصبح لكل قطاع سفير خاص يمثله. كما تجب مراجعة التشريعات والقوانين الناظمة التي تسنها الحكومات، في مجال تمكين المرأة في بيئة العمل، وتشجيعها على الانخراط في مشاريع ذات جدوى، تعزز وضعها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى أهمية التوجه الحكومي لترسيخ المساواة بين المرأة والرجل، وتشجيع بيئات الأعمال على تبنّي أفضل الممارسات في هذا الجانب. وهنا تجب الإشادة بالمبادرات البناءة، لسموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية- حفظها الله- حيث أسهمت مبادراتها في أن تحظى المرأة باهتمام ورعاية، جعلاها تحقق مكاسب كبيرة في العديد من المجالات.
بطاقة
• أول إماراتية تعمل في مجال الملاحة البحرية
• أول إماراتية تجتاز دورة القانون الدولي للمساعدات والمناورات البحرية للمستويين الأول والثاني في الشرق الأوسط
• تتولى حالياً منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة «إس.جي.آر» المتخصصة في الأعمال الملاحية