على بعد 80 كيلومتراً شمال شرق العاصمة تونس، وتحديداً في مدينة الهوارية التي تتربع بدلال على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، يجتمع الأهالي سنوياً فوق أعلى نقطة بالمدينة الملقبة بمدينة الصقور، لإقامة مهرجانهم السنوي على ارتفاع 365 متراً، والذي يُعد مناسبة يختبرون فيها قدرات صقورهم على الصيد والتحليق والتركيز، ويتنافس أهالي المدينة على جوائز رمزية من أجل إحياء هذه العادة السنوية التي توارثها سكان المدينة منذ عام 1967.
مع بداية فصل الربيع يستوقف «البيازرة» وهم مربو الطيور، مجموعة من صقور «الساف» المهاجرة ليتم ترويضها وتدريبها على الصيد وإعدادها لخوض المسابقات التي يتم تنظيمها خلال أيام المهرجان، ويقترن اختتام المهرجان الذي ينعقد في شهر يونيو ويستمر ثلاثة أيام بإطلاق سراح الطيور وعودتها إلى السماء، لتبدأ رحلة جديدة نحو شمال البحر الأبيض المتوسط «صقلية وإيطاليا وغيرهما».
أمير السماء
يقول رئيس جمعية البيازرة بالهوارية الشاذلي الجليدي، إن مهرجان الهوارية يحمل اسم طائر «الساف» أو «الباشق»، مشيراً إلى أن هذا الطائر كان مهدداً بالانقراض خلال سبعينات القرن الماضي بسبب الاستعمال المفرط للمبيدات الزراعية والصيد، وتم إنقاذه بعد ذلك عبر سن قوانين تجرم كل من يصيد طائر «الساف»، موضحاً أن القانون التونسي يسمح بحجز الطائر لأيام معدودة للمشاركة في المهرجان ومن ثم إطلاقه مجدداً ليبدأ رحلته نحو الشمال.
تربية الصقور
و حول عشق أهالي الهوارية للصيد عن طريق صقور «الساف» و«البرني»، يقول علي القراري المُلقب بالخال (80 سنة) إن تربية الصقور وتدريبها هي عادة تتوارثها الأجيال وتعبر عن عراقة وأصالة العائلات في مدينة الهوارية، مشيراً الى أن العائلات التي لا تربي الصقور تعتبر غريبة عن المدينة، ولا تمتاز بأصالة أهالي الهوارية حتى أنه كان من العيب ألا تربى الصقور في بيوت الأهالي، ويعامل الصقر معاملة الابن في الرعاية والعناية والنظافة والأكل والتطبيب.
طريقة الصيد
أما عن طريقة صيد طائر «الساف» فيقول «الخال»: «إن أهالي الهوارية يلتجئون إلى طريقتين أساسيتين في الصيد، الأولى عن طريق «الغزول» أي بغزل منطقة عبوره، وانتظار وقوعه فريسة في تلك الخيوط التي لا يراها، أما الطريقة الثانية فتعتمد على ما يسمى «المنصب»، وهي عبارة عن فخ تقليدي ينصب لطائر «الساف» ويوضع داخله طائر صغير اسمه «الزريس» كطعم.
وجهة للسياحة البيئية
يؤكد رئيس بلدية الهوارية نابل فهمي الأسطى، أن البلدية تعمل على إدراج الصيد بـ«الساف» ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي العالمي، مشيراً إلى أن ذلك سيسهم في حشد الجهود من أجل دفع جديد للتنمية الثقافية بمدينة الهوارية، وتعزيز قدراتها لتتطوّر إلى وجهة متميزة للسياحة الثقافية والبيئية، كونها آخر نقطة لمراقبة الطيور المهاجرة قبل عبورها البحر المتوسط.