يعتبر صمود مكتبة دير «سانت غال» في سويسرا لـ12 قرناً حتى اليوم، واحدة من معجزاتها الكبرى، فبينما اختفى العديد من مكتبات العصور الوسطى بفعل الحرائق والسرقات والغزوات، نجت هي من ملمات الألفية الماضية، وحافظت على بقائها وكامل إشراقها الحضاري ودورها الثقافي.
تأسست المكتبة في عام 719م، ضمن مجمع شيد في عهد الملك شارلمان، وكان دير القديس غال صرحاً مهماً يقع في سانت غال، وهي بلدة في كانتون شمال شرق سويسرا تحمل الاسم نفسه. تعتبر «سانت غال» مكتبة الدير الوحيدة التي أنشئت في العصور الوسطى، وما زالت قائمة في مكانها الأصلي. خلال حريق عام 937، تم تدمير الدير، لكن بقيت المكتبة سليمة. ونظراً لجذورها التاريخية العميقة اعتبرتها «يونسكو» تراثاً إنسانياً.
نسخ
أنشأ المكتبة راهب أيرلندي يدعى غالوس، وسار على الطريقة التي أرساها القديس بنديكت المعروف بتبحره في العلم، إذ ألزم الرهبان المنضمين إلى أخويته بالتعمق في دراسة أمهات الكتب الدينية لأكثر من ألف سنة، وكانوا يتوافدون على المكتبة من جميع أنحاء العالم المسيحي لدراسة المخطوطات ونسخها باليد، إذ كانت السبيل الوحيدة آنذاك لإعادة إنتاج النصوص. وفي القرن الـ17 امتلك الدير مطبعته الخاصة، مما أدى إلى ازدهار حركة النشر والكتابة.
مجلدات ثمينة
تعد المكتبة الجديدة واحدة من أكثر الأجزاء المميزة في الدير، الذي أعيد بناؤه بين عامي 1755 و1768، إذ تم تجديد غرفها بشكل جميل وتزيينها بأسلوب الروكوكو المزخرف. وتُحفظ الكتب بين رفوف من الخشب المحفور بارتفاع الجدران إلى السقف، بينما رسمت بقبابه لوحات يمثل بعضها آباء الكنيسة. وقد واصلت مهمتها في جمع الأعمال المكتوبة وتفتخر بمجموعة تضم أكثر من 170.000 مجلد، ويعود تاريخ الكثير منها إلى القرن الثامن.
تحتوي «سانت غال» على عدد كبير من المخطوطات التي لا تقدر بثمن، تنتمي إلى حقب تاريخية مختلفة، وتتميز بمنمنمات فريدة تم لصقها وتجليدها بشكل متقن، وتعتبر من أغنى المكتبات في العالم وأبرز المراكز العلمية في غرب أوروبا والتي لا تزال قائمة.
أناجيل ومدونات
تضم مكتبة «سانت غال» أكثر المجموعات شمولاً، من كتب القرون الوسطى المبكرة في الجزء الناطق باللغة الألمانية في أوروبا. من بين مخطوطاتها الثمينة أجزاء عدة من الأناجيل المسيحية منذ أكثر من ألف عام، تكتنز بها 2100 مدونة قانونية، يعود تاريخ نصفها إلى ما بين القرنين التاسع والـ11، كما هناك 400 مخطوط يعود تاريخها إلى ما قبل عام 1000 للميلاد، ومن كنوزها أيضاً أطروحة حول قواعد اللغة اللاتينية ورسم معماري فريد من نوعه يُعرف باسم «خطة القديس غال».