انتشر في الآونة الأخيرة العديد من مقاطع الفيديو التي تصور مواقف تقشعر لها الأبدان، مقاطع عنف جسدي ونفسي ولفظي تستفز من يشاهدها، وخاصة أنها تدور بين أروقة وساحات المدارس وحتى في الفصول الدراسية. وأصبح المتخصص وغير المتخصص يصدر الأحكام على ما يراه، بل ويبدأ بالتحليل ووضع الحلول والأحكام الصارمة لعقاب مرتكبي العنف، فالجميع صاروا يحللون ويفسرون ويحكمون ويسنون القوانين، وجميعهم يرددون مصطلح «التنمر» والذي في الحقيقة لا أعلم كيف تُرجمت كلمة Bullying من التسلط إلى التنمر، والبعض ترجمها بلطجة، أما التنمر فأنا أرى فيها كلمة جاذبة للمراهقين، لأنهم يحبذون التشبه بالنمر ويتفاخرون حسب السلالات. باختصار التسلط هو سلوك منحرف يُعبر عن إحدى المشاكل السلوكية التي تصدر من شخص يعاني مشاكل نفسية معينة، ضد آخر متسلط عليه، قد لا يدرك كيف يمكنه المواجهة والدفاع عن النفس. وهذا السلوك يصدر من ذكور وإناث أطفالاً كانوا أم مراهقين أم راشدين، ولكنها سلوكيات تظهر أكثر بين الأطفال والمراهقين.
دفاع عن النفس
وما رأيناه في تلك المقاطع ليس بالضرورة أن يكون تسلطاً، قد يكون المعتدي مظلوماً وهو في موقف الدفاع عن النفس، وقد يكون فعلاً متسلطاً، ولكن ردود أفعال بعض الجهات والأشخاص كانت مبالغة ومن دون دراسة. علينا بداية ألا نسهم بنشر مثل هذه المقاطع، لأننا بشكل غير مباشر نعزز السلوك الخطأ، وكثير من الدراسات أثبتت أن مشاهدة الأطفال والكبار لمثل هذه المقاطع، وحتى تداول المصطلحات غير السوية، قد تُشكل لدينا هذا السلوك وقد نمارسه من دون وعي منا، لأنه يصبح مخزوناً باللاشعور، ويصبح جزءاً من الذاكرة اللاشعورية والتي هي أقوى في دفعنا للقيام به.
علم ومنطق
كما جميعنا نعلم أن هذه السلوكيات ليست جديدة، ولكن كيفية التعامل مع المشكلة هي المشكلة في حد ذاتها، هناك البيت والمدرسة والمؤسسات المدنية، جميعهم يسهمون في تقليص المشكلة أو تشعبها وهذا ما حدث، للأسف كل شخص قرأ معلومة أو حضر إحدى الدورات، قام بتضخيم المشكلة بدل حلها بالعلم والمنطق، علينا ألا نقسو على أطفال ومراهقين بالحكم الصعب بل علينا معرفة الأسباب ودراسة الشخصيات وتحديد الدوافع الأساسية لهذا السلوك.
ضحايا
يبقى السؤال من يمكنه القيام بالحلول؟ هل هو المسؤول والخبير؟ أم الإعلامي في مواقع التواصل الاجتماعي؟ هم الأسرة والمدرسة، هم الذين تقع عليهم المسؤولية الحقيقية، وما هؤلاء الأطفال والمراهقين سوى ضحايا لعدم وجود منهجية حقيقية لتعليم اللطف، هم ضحايا لعدم وجود الأخصائي النفسي المدرسي، والذي طالما تحدثنا عن أهمية وجوده بالمدرسة، هم ضحايا لأسر تكاد تكون حاضرة غائبة عما يحدث لأبنائها. وللأسف أصبحت العلاقة بين الأسرة والمدرسة علاقة عدائية وكلٌّ توجه اللوم إلى الأخرى بعد أن كانت كلٌّ تكمل عمل الأخرى.
على الإعلام ألا يسهم في نشر معلومات خاطئة ومغالطات، من خلال استضافة بعض الشخصيات غير المتخصصة للحديث عن هذه القضايا الحساسة، كما يجب مراقبة منصات الـ«سوشيال ميديا»، لعدم السماح لأصحابها ببث مثل هذه المقاطع والتعليق عليها من خلال وجهات نظرهم الخاصة.