هناك بعض القصص لا يمكن معرفة سر نهاياتها التراجيدية، إلا بالعودة لتفاصيلها الخفية. من هذه القصص، قصة الراقصة الرشيقة ماتا هاري. اسمها الحقيقي مارغريتا جيرترويدا زيل. Margaretha Geertruida Zelle من أصول هولندية. مواهبها الخلاقة، وثقافتها ولغاتها المتعددة، ورقصها الغربي الشرقي جعلوا منها رمزاً أوروبياً حقيقياً للحب والجمال والأناقة، بالخصوص في باريس بدءاً من سنة 1905. بسبب علاقاتها الكثيرة، ورحلاتها المتعددة بين ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإنجلترا وهولندا، جعلتها مثار شك لدى الكثير من الدوائر الأوروبية، في عز الحرب العالمية الأولى. المعروف عنها أنها كانت محبة للزي العسكري.
تلتقي في 1895، بالضابط الهولندي رودولف ماك لود، فتتزوج به، وتسافر برفقته إلى جزيرة جاوا، وتنجب ابنيها الوحيدين. وعندما توفيت ابنتها بالتسمم، افترقت مع زواجها نهائياً، وعادت لفرنسا. تستقر في باريس بعد أن سمت: ماتا هاري. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى كانت في برلين التي لم تكن تحبها، وجدت صعوبة في مغادرتها، فاضطرت إلى المرور عبر طرق أوروبية ملتوية. لكن سكوتلاند يارد أوقفتها وبحثت في تحركاتها المشبوهة.
ترحل نحو باريس، وتحاول العودة لمهنتها واسترجاع شهرتها، لكن الحرب لم تسعفها. في سنة 1916 تسقط في شباك غوايات فاديم دو ماسلوف Vadim de Masslov، ضابط روسي في إجازة طبية. تحبه بجنون، ومستعدة لعمل أي شيء لشفائه. طلبت إذناً بمغادرة باريس ومرافقته إلى مدينة فيتيل، التي كانت منطقة عسكرية. يشك فيها أحد المسؤولين الكبار في الجوسسة المضادة، جورج لودو، ويغريها بمليون فرنك فرنسي مقابل الحصول على المعلومات عن الضباط الألمان في بلجيكا. فقد كانت في حاجة إلى المال لعلاج ماسلوف. سقطت في اللعبة التي تنتهي بها إلى إسبانيا كعميلة فرنسية تحت اسم H21، لكن سرعان ما تتهم بأنها عميلة مزدوجة بعد أن ضبطت بعض رسائل العميل H21، موجهة إلى ضباط ألمان. يلقى القبض عليها في 13 فبراير 1917. كان عمرها وقتها 60 عاماً. تسجن وعلى الرغم من أن الكثيرين برؤوها من تهمة الجاسوسية تحديداً، وتعدم في 15 أكتوبر من السنة نفسها، في فرنسا، رافضة كل التهم التي وجهت إليها. الأغرب أنه في 2001 استطاع الباحث ليون شيرمان أن يتوغل في الأرشيف الألماني والفرنسي للحقبة، وتقدم بطلب لوزارة العدالة، لمراجعة محاكمتها، لكن الوزارة رفضت طلبه بحجة أن ملفها أغلق.