لكل باحث نقطة إيجاد لمراده، والذي يعقد العزم على السير في طريق، فلا بد أن تزهر الورود على أرصفته، وتظلله غيمة، حتى يصل إلى ما يصبو إليه، وكذلك الفنان الشاب، الذي بدأ فشكّل لوحته، راسماً أو مصوراً أو مازجاً، فمشى متأبطاً إنجازه، طارقاً أبواب المهتمين، متفائلاً حيناً، محبطاً حيناً، لا بد من أن يرى النور في نهاية هذا النفق، ولو على هيئة فنان مثله، سبقه في البحث والوصول، عالماً بمعاناته، وآخذاً بيده نحو البداية الأخرى. وهذا ما جاء به معرضا «استيعاب» و«عبّر عن نفسك في 30X30 سم»، مشكلين الأرض المنشودة لكثير من آمال الشباب المبدع. فالمعرضان يقامان للأمل، والتعايش، والإبداع، والمرات الأولى، التي ستجر بعدها طريقاً طويلاً لكل المشاركين الشباب.
الفراغ الملهم
في محل قديم في المركز التجاري فارغ ومحفز للاستغلال من قبل المبدعين، وفي مساحة صغيرة دافئة، لا يستطيع العابر قربها أن يمر من دون التفات إليها، تم تشكيل صالة عرض فنية، لأعمال إبداعية مختلفة في مستواها الفني، ضمن مشروع يهدف إلى إبراز المواهب الشابة والسابقة. الفنانان القائمان على المشروع جلال لقمان وسمية السويدي، ارتأيا أن الفن يجب ألا يكون حكراً على الصالات المغلقة، والتي لا يزورها في الغالب إلا النخبة، وإن وجدت فإنها نادراً ما تقبل عرض أعمال الشباب من الفنانين والذين ليس لأعمالهم مكان في السوق الخاصة بهذا الجانب الثقافي، وبحسب وجهة نظرهما فإن الفن، هذا الطير الحر المحلق، يجب أن يكون على مرأى من الكل، «الفن للشارع»، لذا جاءت فكرة المعرض في السوق، حيث البعد عن النخبوية، والقرب من العامة، ونشر ثقافة الفن والاهتمام به للجميع، وذلك تحقيقاً لرؤية القيادة الحكيمة لدولة الإمارات الساعية إلى تحويلها إلى عاصمة ثقافية على مستوى عالمي.
عبّر عن نفسك في 30X30 سم
قد يعيق الاشتراط عمل بعض المبدعين، ولكن بعضهم يعمل بشكل أفضل عندما يوجه إلى رأسه هذا المسدس، ومعرض «عبّر عن نفسك في 30X30 سم»، والذي يتيح للفنان المبتدئ أو المتمكن، أو كل من يلمس لديه الحسّ الفني، أن يشارك بلوحة يعبّر فيها عن ما يشاء وبالطريقة التي يودها، سواء كان رسماً أو تصويراً أو غيرهما، ولكن في حدود حجم معين، مساحة يتشارك فيها الجميع، وهو المعرض الذي يعد إثباتاً لقدرة الفنان على الإبداع مهما كانت الشروط. والتحدي الذي واجهه المشارك يتمحور حول قدرته على التعبير عن ما يريد إطلاق خياله فيه، تحت ضغط هذا الشرط، وأن يجد حضوره صداه في نفس مرتادي المعرض، والعابرين.
استيعاب اللحظة
متداخلاً مع معرض «عبّر عن نفسك»، ومتمازجاً ببياضهما المشترك، يحمل معرض «استيعاب» على جدرانه لوحات متباينة الأطوال والأحجام، ومختلفة الانتماء للمدارس الفنية، والخط العربي. يختلف عن جاره بشرطه، فللفنان فيه حرية الحجم والمساحة، ولكن شرط هذا المعرض هو أن يكون العمل عبارة عن تسجيل لحظة واحدة، اللحظة التي شكلت نقطة بداية ونهاية العمل، الوهلة التي تشكّل رؤية العمل، وحدود فكرته. لم تكن الرغبة في المشاركة خاصة بالفنانين المحليين أو المقيمين، فقد اتسعت لتستدعي الفنانة التشيلية جانيت كانيل، والتي تقف لوحاتها بوهجها الذهبي وخطوطها الملونة والبارزة في أجزاء منها، على واجهة المعرض، مستقبلة الزائرين، ومانحة تحاياها للمحبين، بين خصوصية خيالها، واستفادة جزء منه من لوحت الفنان النمساوي الشهير جوستاف كليمنت.
واقع فاق التوقع
يقول الفنان جلال لقمان إنه كان يتوقع أن تصل المشاركات في المعرضين إلى 20 مشاركة، ولكن الواقع فاق توقعاته وطموحه هذا، حيث وصلت المشاركات فيهما إلى 22 مشاركة، من جنسيات مختلفة، ومستويات متباينة للفنانين، وكانت طلبات المشاركة في ازدياد حتى اللحظة الأخيرة قبل افتتاح المعرض، ولكنه اضطر للاكتفاء بهذا العدد المناسب لمساحة المعرضين، وتأجيل البقية إلى السنوات القادمة.
مواقف مؤثرة
بالإضافة إلى فرحة المبدع الشاب بحصول لوحته التي يعرضها لأول مرة في معرض مشترك، على معجب، أو مشترٍ، فمن المواقف المؤثرة التي مرّت بلقمان خلال زيارات أهالي المشاركين للمعرض، فرحة أم بقدرة ابنتها من أصحاب الهمم، على التحدث أمام الجمهور، وتعبيرها عن ما في نفسها، وهو ما لم يسبق للأم أن شاهدته لديها، فلم يكن المعرض لحظتها الأولى لعرض أعمالها فقط، ولكنه كان اللحظة الأولى كذلك لاندماجها الفعّال مع الآخرين.