لطالما يلفت جمال المدن الأوروبية ذات الطابع الريفي النظر، وهكذا هي مدينة «كانتيربري» التي أسرت بجمال أفلاجها وأنهارها، جميع من زارها أو مرّ بها، فهي مدينة مزجت بين حياة الريف الإنجليزي الأصيل، وبين تاريخ عريق سطرته عبر مراحل مختلفة من الزمن، فللمدينة من سحر الطبيعة ما يجعلها تستقرّ في الرأس لا تبرحه.
تقع مدينة «كانتيربري» في مقاطعة كينت، جنوب شرق المملكة المتحدة (إنجلترا)، وعلى الرغم من صغر مساحتها إلا أن لها سحراً مختلفاً، وتعتبر من أشهر الوجهات السياحية بعد لندن، باعتبارها الوجهة المفضلة لعشاق الطبيعة والهدوء، وأولئك الباحثين عن الراحة النفسية، ففيها ستجبرون على الصمت والإنصات إلى حديث الطبيعة وإلى غناء طيورها بسيمفونيات متنوعة من زقزقة الشحرور، وهديل الحمام وصوت خرير وهدير المياه.
تقاليد
تُعرف «كانتيربري» بتشبث سكانها الكبير بالماضي، بتقاليده وأعرافه، وسيتضح ذلك خلال التجول في البلدة القديمة، حيث كمية المعالم السياحية من كاتدرائيات وكنائس، وواجهات المباني الخشبية المصقولة بالطابع الريفي التقليدي القديم، الذي كان يطغى على إنجلترا في القرون الوسطى، حيث تعكس المدينة على الرغم من صغرها الوجه الحقيقي للحياة الريفية السائدة في ذلك الزمن البعيد. شوارع المدينة القديمة، تشد الزائر وتدهشه، فمنطقة «هاي ستريت» تعتبر القلب النابض لسياحة المدينة، ترمز إلى حقبة مختلفة من الزمن تتباين بين العهدين الفيكتوري والقوطي الملكي.
آخر البوابات
تتنوع المتاجر في «هاي ستريت» بين محلات الثياب الجاهزة والمكتبات وسوق الخضراوات، وأخرى تتعلق ببيع اكسسوارات الزينة والمشغولات اليدوية التقليدية. وتزين واجهة الشوارع بيوت قرميدية قديمة، وتوجد خاصة في شارع «سان ستريت» و«بورجيايت» في شمال المنطقة، وهما شارعان متداخلان مع بعضهما، كل منهما مفتوح على الآخر، ويتقاطعان في ممرّ ينتهي إلى البوابة الغربية، التي تعتبر بدورها من أبرز المعالم التاريخية والسياحية في «كانتيربري»، تمّ ترميمها وإعادة بنائها على أنقاض البوابة الأولى، وهي آخر ما تبقى من البوابات السبع للمدينة، يعود تاريخها للقرون الوسطى، وتحديداً القرن الـ14، يصل ارتفاع علوها إلى 20 متراً، زيارتها تتطلب صعود واعتلاء برجيها، في إطلالة بانورامية لا مثيل لها للمدينة، فموقعها على ضفاف الأفلاج وقنوات المياه التي تعكس جمالها عليها في مرآة الطبيعة، زادها جمالاً وأهمية، وتعتبر الحديقة المحيطة بالبوابة من الأماكن المفضلة للسياح لالتقاط أجمل الصور التذكارية.
متحف الحكايات
تُعد متاحف مدينة «كانتيربري» على الأصابع، فهي ليست كغيرها من المتاحف، فلكلّ متحف حكاية مشوقة كرواية نسجت من خيال كاتب مبدع، فمتحف «حكايات»، الواقع في شارع سانت مارجريت، واسمه يدلّ على مضمونه، يغوص في عالم من الحكايات والقصص الواقعية التي صنعتها محطات تاريخية مرت بها المدينة منذ العصور الوسطى، وأساطير أخرى تتعلق بسلالات الحكم التي توالت عليها، حيث يوجد بالمتحف مجموعة 24 قصة مكتوبة بخط أدباء وشعراء قدموا أعمالاً أدبية كثيرة، كانت لها بصمة واضحة في ترسيخ هوية وثقافة البلد، صوروا من خلالها حياة المجتمع الإنجليزي في القرون الوسطى في أجمل صورة. كما يسلطّ المتحف الضوء على الشاعر الإنجليزي، جفري شوسر الذي يسبق شكسبير بحوالي 200 عام، ويطلق عليه لقب «الأب الروحي للأدب الإنجليزي»، ألف عن المدينة أجمل ما كتب في مجموعة قصصية شعرية، أطلق عليها اسم «حكايات كانتيربري»، تناول فيها كلّ شيء جميل يتعلق بالمدينة التاريخية. ويوازيه في الجمال الأدبي، متحف «بيت بيني للفن والمعرفة والتراث»، وهو مبنى تاريخي يضمّ مجموعة من القطع الأثرية الغنية بالرموز الحضارية التي جاء بها ملوك بريطانيا عبر الزمن، وكنوزاً أخرى تعود لآخر عائلة ملكية استقرت بـ«كانتيربري»، تمّ جمعها إلى جانب عدد من المخطوطات القديمة، وأعمال فنية لرسامين انجليزيين مشهورين، أبرزها لوحة تحمل صورة ويليام وارهام رئيس أساقفة كانتيربري، للفنان هانز هولباين، وميدوز توماس سيدني، وأعمال فنية تعود لكلّ من باجبوس وروبرت بيير، وأخرى تعود للنحات والرسام النيوزيلندي الشهير بيتر روبنسون الذي كان متأثراً كثيراً بجمال «كانتيربري»، حيث كان يدرس بإحدى جامعاتها.
متعة بحرية
تقدم المدينة لزوارها متعة بحرية مختلفة، لا بأس من الخروج إلى ضواحي المدينة، في اتجاه مدينة ساحلية صغيرة، لا تبعد عن «كانتيربري» سوى عشرات الكيلو مترات، تدعى «وايتستابل»، سيدهش زوارها من ميناء الصيادين الذين يطهون صيدهم من البحر، بمذاق شهي لا يقاوم، في مطاعم شعبية صغيرة تنتشر حول الميناء بمحاذاة بيوتها القرميدية الملونة، بطابع الريف الفيكتوري والإنجليزي الحميمي. ولغروب الشمس الساحر على المدينة حكاية أخرى.
احتفالات
كغيرها من المدن حول العالم، تقدم «كانتيربري» لزوارها أشكالاً مختلفة من الاحتفالات والمهرجانات، تصاحبها فعاليات وأنشطة ترفيهية مختلفة يشارك فيها الكبار والصغار من الأهالي، ومن بين أجمل تلك المهرجانات وأهمها في جنوب إنجلترا، تلك المتعلقة بفعاليات فصل الخريف الثقافية احتفاء بالأدب الإنجليزي القديم، يتوافد إليه سنوياً ما يقارب 70 ألف شخص، للاستمتاع بفرق العزف الكلاسيكي، والمسرحيات الشكسبيرية، وعروض الرقص الريفي الإنجليزي الجميل.