يساعد الوقت الذي تقضيه في الإجازة على الحد من العمليات البيولوجية الضارة المرتبطة بالتوتر، وهو ما ينعكس إيجاباً على الصحة العامة للإنسان، فكلما ابتعدت عن مشاغل الحياة ومسؤولياتها وبحثت عن الاسترخاء لبعض الوقت، لاحظت تغيُّرات إيجابية في حالتك النفسية، هذا ما توضحه أستاذة الطب النفسي بجامعة كاليفورنيا والباحثة إليساس. أبيل.
الإجازة من أهم المحفزات التي تؤثر بشكل إيجابي في أدائك، إذ تجعلك في صفاء ذهني، يؤهلك لكي تكون قادراً على اتخاذ قرارات أفضل، وتكون رؤيتك وتقييمك للأشياء أوضح، كما تستطيع أن تجد حلولاً مبتكرة لمشكلات العمل، وذلك على العكس تماماً من وضعك قبل الإجازة.
مؤشرات
تفيد دكتورة إليساس. أبيل بأن هناك مؤشرات تدل على أن القدرة الإدراكية للشخص أصبحت متدنية ولا تعمل بالكفاءة المطلوبة، وهو ما تنتج عنه قرارات غير صحيحة ومن دون دراسة جيدة؛ إذ يسيطر على الشخص التوتر والعصبية فلا يحسن التعامل مع مَن حوله، ويصبح كثير النسيان، وهو ما يسمى علميّاً بمتلازمة الاحتراق النفسي burnout الناتجة عن الإجهاد العقلي والنفسي الذي تسببه ضغوط العمل.
في أحيان كثيرة، ترى حولك العديد من زملائك، وقد تكون أنت نفسك منهم، في حالة من العصبية والتوتر وتتعجب من ذلك، وتبحث بشتى الطرق عن أسباب هذه الحالة من دون أن تدرك أن الحل غاية في البساطة، وهو أخذ إجازة!
متى يجب أخذ إجازة.. وكيف تقضيها؟
التوقف عن الجري باسم العمل أو المسؤوليات ولو لفترة وجيزة، وتكريس بعض الوقت للتنفس بعمق والاسترخاء، والتأمل لإبطاء حركة محركاتنا الداخلية؛ أصبحت ضرورة لا يجب الاستهانة بتأثيرها فيك.
والسؤال، هل تعلم كيف تقضي إجازتك بالطريقة الصحيحة؟ وهل تعلم متى وكيف يجب اتخاذ القرار بالانسحاب لبعض الوقت والانفصال عن العمل؟
لكي تحافظ على توازنك النفسي وصحتك الجسدية، لا بد أن تمضي إجازة لا تقل مدتها عن ثلاثة أيام، تتكرر من ثلاث إلى أربع مرات على مدار العام، بخلاف إجازات نهاية الأسبوع، هذه هي الوصفة المثالية لكي يتخلص الإنسان من ضغوطه، ويفرغ الشحنة السلبية من داخل جسده، وفق تقدير مركز «هلث دي» الأميركي قسم الأمراض النفسية، ويشدد المركز على أنه يجب أن تكون الإجازات الأسبوعية بمنزلة فاصل قصير تتم الاستفادة منه أيضاً، وعدم إهداره كله في إتمام المسؤوليات المتراكمة خلال الأسبوع. ولكن من المؤكد أن الإجازة لن تكون مؤثرة إلا إذا قُضيت بالشكل السليم. وتعد أفضل طريقة للاستفادة من الإجازات هي السفر، أو على الأقل الخروج إلى الأماكن المفتوحة.
الانطلاق إلى الطبيعة
تكون في أفضل حالاتك عندما تنطلق في الخلاء وتقترب من الطبيعة؛ لأنك تبتعد عن عوامل التشويش في حياتك التي تدور دائماً داخل جدران أماكن مغلقة تحد من قدراتك، وقد أفادت نتائج دراسة حديثة أجراها علماء من جامعة هارفارد، بالاشتراك مع مدرسة الطب بماونت سينا في كاليفورنيا بأن الأشخاص الذين قضوا إجازة مارسوا فيها التأمُّل تأثرت خلاياهم بشكل سريع وقوي، وتحسنت كفاءة أجهزتهم الحيوية بشكل عام. إذاً فالعلماء لم يتركوا مجالاً للشك للتدليل على أهمية الإجازات، وخاصة إذا قمنا فيها بالتأمل لتكتمل الفائدة.
إجازة بعد الإجازة!
لكن لماذا نشعر أحياناً بالحاجة إلى إجازة بعد العودة من الإجازة؟ فالكثيرون يشعرون بعدم الرغبة في العودة لأعمالهم، مع عدم التخلص من التوتر والإرهاق الذي كان يجب التخلص منه خلال الإجازة.
توضح الدراسة أننا في بعض الأحيان نقضي إجازة من دون أن نخلع رداء العمل. أو بمعنى آخر لا نُهيِّئ أنفسنا للانفصال بأذهاننا عن الدور الذي نؤديه طوال الوقت في المكتب. إن الهدف من الإجازة هو الانفصال عن كل الأدوار الاعتيادية التي نقوم بها يومياً، والتحرر من كل القوالب الجامدة، لا أن نقوم بالأدوار ذاتها ولكن من مكان آخر!
فالمدير الذي يذهب في إجازة على الشاطئ، ولكنه يظل على اتصال بفريق عمله لكي يتابع الأخبار، أو الأم التي تظل تجهز الطعام قبل الإجازة وأثناءها بالنمط نفسه التي تتبعه طوال العام وغيرهما، لا تُعتبر إجازاتهم إجازة حقيقية؛ إذ يعودون لأعمالهم من دون التخلص من الأعباء النفسية أو الجسدية!
نضج
إن وصولك إلى مرحلة من النضج النفسي، والتحرر من القوالب التي اعتدتها، يكونان بانفصالك عن أدوارك المعتادة، والاسترخاء، والاستمتاع بالإجازة؛ كي يعود ذهنك متجدداً وروحك صافية، فتصبح أكثر سعادة وفاعلية في أسرتك، وعملك، وأكثر انطلاقاً.