منذ بدأت الحكاية مع الإنسان كان هناك الخيال. كانت الفانتازيا وقصص الميثولوجيا من مكونات القصة الأساسية، ولذا لم يكن مستغرباً أن تتأثر الفنون حينما تكونت وتطورت بهذا الأمر، منذ الأدب بتنوعاته الشعرية والقصصية والملحمية، وحتى ظهور المسرح إلى مطلع القرن الـ19 مع بروز السينما، حيث جاء الخيال كمحور أساسي في قصص الأفلام، ومنها الخيال العلمي، والذي تراوحت تعريفاته ما بين كونه «يدور حول مستقبل العلم والعلماء»، كما يقول أزيك أسيموف، أو تعريفاً أكثر شمولية يقدمه الأميركي جي أو بايللي بأنه «يترجم المكتشفات والمخترعات والتطورات التكنولوجية قريبة الظهور أو التي لم تظهر بعد إلى مشاكل إنسانية ومغامرات درامية».
الفيلم الأول
بطبيعة الحال ومنذ قام جورج ميليس بفيلمه التاريخي A Trip to the Moon عام 1902، وهو الفيلم الأول في هذا المجال، معتمداً على بعض الخدع البصرية لإظهار مركبة تصل إلى القمر، مروراً بفيلم فرانكشتاين /Frankenstein عام 1910، وهو فيلم مقتبس عن رواية ماري شيلي حول العالم، الذي يخلق وحشة عبر الكهرباء، ثم فيلم الدكتور جيكل والسيد هايد / Dr. Jekyll and Mr. Hyde عام 1920، استناداً إلى القصة النفسية لروبرت لويس ستيفنسون. وحتى يومنا هذا فإن أفلام الخيال العلمي لا تقدم سوى تصور تخيلي معتمد في أساسه على العلم، لكنه ليس ذلك العلم القطعي في ثبوته ودلالته، كما هي أفلام الكواكب والكائنات الحية عليها، والتقدم الذهني والعاطفي للروبوتات وغير ذلك.
حضور مكثف
في المقابل لم تكن هذه أفلام الخيال العلمي، لتحظى بمثل هذا الحضور المكثف سينمائياً، لولا الإقبال الجماهيري والشعبية الكبيرة من محبي هذا النوع من القصص، والتي كثيراً ما استخدمت أيضاً كنوع من الإسقاطات الاجتماعية والسياسية، كما فعل المخرج الألماني الهارب إلى أميركا فريتز لانج، عبر فيلمه الشهير ميتروبوليس Metropolis عام 1927، الذي يدور حول قصة مدينة مستقبلية ذات طبقية فجة ومقسمة ما بين الطبقة العاملة ومخططي المدينة، إلا أن ابن العقل المدبر للمدينة سيقع في حب شخص من الطبقة العاملة والذي يعتقد أنه يتنبأ بقدوم المنقذ المخلص للمدينة من مشاكلها والظلم الطبقي فيها.
لكن هذه البدايات الشهيرة منذ السينما الصامتة، عبر أفلام قصيرة ثم فيلم هولغر مادسن «رحلة إلى كوكب المريخ» A Trip to Mars عام 1920، الذي يعد حينها أطول فيلم خيال علمي حيث تجاوز الساعة والنصف، لم تكن أفلام الخيال العلمي لتحظى بالاعتراف الكبير وتؤسس لنفسها مكانة مهمة بين أصناف الأفلام السينمائية، وتجلب كل هذه الإمكانات الإنتاجية الهائلة، ورصد الأموال الضخمة طمعاً في استرداد أضعافها من الجمهور؛ لولا أن مخرجاً عظيماً مثل ستانلي كيوبريك قدم عام 1968 فيلمه الشهير والتاريخي A Space Odyssey، الذي يعده البعض أفضل أفلام الخيال العلمي، حيث يروي الفيلم معتمداً على قصة قصيرة كتبها أرثر كلارك حكاية مركبة ترسل للفضاء، يتمرد فيها جهازها الآلي على الطاقم، محاولاً الاستبداد بالسيطرة على المركبة بما فيها. لكن الفيلم كان أبعد من ذلك على المستوى الفلسفي حسب المعالجة التي قدمها كيوبريك. وباعتباره فيلماً في الستينات، فقد كان أشبه بالتنبؤ المستقبلي لصراع البشر والآلة.
مرحلة أخرى
انتقل فيلم الخيال العلمي لمرحلة أخرى خاصة مع نجاح سلسلة جورج لوكاس «حرب النجوم» التي بدأت نهاية السبعينات، ولا تزال ترسل أجزاءها حتى هذا اليوم لإضافة العديد من المليارات عبر شباك التذكر، أو ربما تلك الأفلام المفردة كما فعل ريدلي سكوت عام 2015 بفيلم «المريخي» The Martian، حيث حقق عائدات مالية بأكثر من نصف مليار، حيث لم تكن تكلفة الفيلم تتجاوز 110 ملايين دولار، فضلاً عن النجاح الفني، حينما تم ترشيح الفيلم لسبع جوائز أوسكار، منها «أفضل فيلم وسيناريو» كما هي الحال مع فيلم خيال علمي آخر شهير Gravity عام 2013، محققاً الأرباح والتكلفة تقريباً، لكنه أضاف لذلك الفوز بـ«أوسكار أفضل إخراج». ومع تزايد ظاهرة العناية الكبيرة بأفلام الخيال العلمي وتكلفتها العالية، كان للصين تجربة مثيرة للانتباه حينما تم أعلى رصد ميزانية لفيلم في تاريخ السينما الصينية، وهو فيلم تم إنتاجه هذا العام بعنوان The Wandering Earth، حيث كلف الفيلم 48 مليون دولار وهو ما يعتبر شيئاً عالياً في معيار السينما الصينية، لكنه في المقابل حقق الدخل الأعلى في التاريخ، حيث تجاوز الملياري دولار عبر العالم. وهنا تستمر ثنائيات التكلفة والمردود في أفلام الخيال العلمي، لكنها تبرع أحياناً لتكون ثلاثية التكلفة والمردود المالي والمستوى الفني، كما يحدث كثيراً مع أفلام ستيفن سبيلبيرغ وجيمس كاميرون.