غير مفهوم ولا مقبول هذا الجنون الذي يصيب البشر، طمعاً بلفت الأنظار إلى سلعة ما، حيث لا يتوانى البعض عن استثمار أي خبر لصالح التسويق وصنع المال بأي وسيلة.
انتشر قبل شهور مقطع صوتي عبر «الواتساب» لمراهق يتحدث عن خيانة صديقته وحديثه عن تعاطيه المخدرات، وتصدر المقطع المراكز الأولى في الوسوم الأكثر تداولاً في وسائل التواصل، ولم تتأخر إحدى كبريات الشركات في خدمة توصيل الطعام للمنازل عن استخدام الوسم لتسويق منتجها، رغم ما احتواه الوسم من كسر صريح للقانون والأخلاق.
لا يكاد يخلو أي وسم اليوم، مهما احتوى من أخبار مفجعة عن وفيات أو جرائم أو كوارث بيئية، من أي استغلال للتسويق لمنتج ما، يصيبك الشعور بالتقزز وأنت تقرأ خبر وفاة إعلامية شابة بمرض خبيث، وبين إعلانات النعي من أهلها ومحبيها، تتقافز أمامك إعلانات تسوق لمنتجات غذائية وجنسية وصحية وكمالية.
ربما لا يلفت الأمر انتباه البعض، لأن الأمر بات مألوفاً، وكما لو أن الإعلان بهذه الوسائل حق مشروع، مهما كانت السلعة وظرف التسويق لها، ولكن تخيل نفسك تموت أو تمر بظرف عصيب يُحيلك من إنسان مُبتلى إلى مشروع ربحي يتكالب عليه صُنَّاع المال، يسهمون في الترويج لمصيبتك ليس على سبيل التعاطف أو الدعم والمساعدة، ولا يهتم أحد لأمرك إلا في ما يجنيه من وراء مصيبتك.
أحاول أن أعود بذاكرتي إلى سنوات قليلة مضت، قبل ظهور بدعة مواقع التواصل، تلك المواقع التي لها من المنافع ما لا يُحصى، ولكننا آثرنا استخدامها كأبشع ما يكون. كيف كانت حياتنا؟ وكيف صارت؟
كانت المنصات الإعلامية حكراً على الحكومات والشركات الكبرى، وكان الواحد منا لا يملك منصة لإبداء رأي أو نشر إبداع يتمثل في قصيدة أو قصة أو مقال أو أغنية أو لوحة تشكيلية أو نشر إعلان يكلف مبالغ باهظة، يمضي الواحد منا وقتاً طويلاً يطوف على مسؤولي الصحف والمجلات، ويرسل مئات الفاكسات يرجو نشر همَّه، وصار اليوم لكل فرد منصته الإعلامية يقول فيها ما يريد، فهل ما نقرؤه اليوم عبر تلك الصفحات الإلكترونية هو ما يريده الفرد حقّاً؟
أي حقيقة كشفتها لنا تلك المواقع؟ وأي أوهام إنسانية كنا نتصورها عن أنفسنا؟