الأمن على المستوى العام هو مسؤولية مجتمعية، تبدأ بالفرد وتنتهي بالدولة، وحين نتحدث عن السلام الأصغر وهو سلام الأسرة، والأصغر من ذلك هو السلام الداخلي، الذي يعيشه الفرد من دون أن يشعر به غيره، وربما تكون انعكاساته ظاهرة على الخارج.
إن الإنسان الذي يعيش سلاماً داخلياً، يكون في العادة مطمئناً ممّا يسوغه الخارج من منغصات، وهو الأمر الذي يقدم راحة يشعر بها الشخص ذاته من دون غيره، فهو أمر إيجابي للشخص نفسه، وكل ما فيه من إيجابيات مرده ذاتي، وقد يأنس منها الخارج من سلوكيات الفرد المطمئن والمسالم، الذي يعيش سلاماً داخلياً.
هناك دوافع في أغلبها خارجي تدفع الإنسان للداخل، وهناك أسباب مردها ثقافي أو من خلال تجارب ذاتية، توصل الإنسان للبحث عن السلام أو الدفء الداخلي، وكلا السببين يصلان بالمرء إلى نتيجة واحدة، تشبه حالة الزاهد المعروفة لدى الجميع.
أما الأسباب الخارجية فتختلف من إنسان إلى آخر، فهناك من يعيش في محيط غير مريح له، كأن يكونوا حساداً له، فيُؤثر الابتعاد، حيث إن الحسد ليست قضية ظاهرة ليتم الحوار فيها، إنه عمل سري يشعر به الإنسان، ويعرف الناس، ولكنه يرى مجاملة له وابتسامة يعرف ما يخلفها، فلهذا يردد بيت المتنبي:
ولما صار ود الناس خبا جزيت على ابتسام بابتسام
أما الأسباب الداخلية فتعود في أغلبها إلى طبيعة الشخص الكاره للمجاملات، والمظاهر الاجتماعية، ومحباً للعزلة التي يجد نفسه فيها، فتراه يعيش سلاماً داخلياً بينما يقال عنه معقد أو مغرور، وهو أبعد ما يكون عنها، هو في حقيقة الأمر باحث عن السلام الداخلي، باحث عن محبة الجميع ولكن بأسلوبه هو، لا ما تعارف عليه الناس.
وفي مقابل ما يعيشه الإنسان المتوافق مع نفسه، والمتصالح معها، هناك من لا يعرف السلام الداخلي، ولا يشعر بالتوافق مع ذاته، فتجده يحب ويكره سلوكاً معيناً في الوقت ذاته، وكأنه لا يعرف ما يريد لنفسه، وماذا يريد من الحياة، هو أقرب إلى الحائر من دون أن يعرف سبب حيرته بأنه فقدانه للسلام الداخلي، والتوافق مع الذات.
شـعر
أحسبُ العمرَ على أتراحه
ما الذي ولَّى وماذا قد بقي
كيفما عُبئتُ يأساً تَلقَني
أحضنُ اليأسَ بهمي.. أرتقي
أحضنُ السيفَ الذي يغدرُ بي
إن يكنْ في العمرِ بعضُ الرمقِ
وأداوي جُرحَ جلادي إذا
جرحتْ يُمناهُ يوماً مُزقي
إنني أمتدُ بُعداً رابعاً
لاتقاد النورِ تحتَ الغسقِ
ليس يدري بالذي أحيا به
غيرُ حرفٍ شَابَ مما يتقي