لنتخيل، لو أن الحروب والنزاعات بين الأمم والشعوب تواصلت على مدى التاريخ إلى يومنا هذا. لنتخيل مصير الحضارات والثقافات والعلوم والإنجازات البشرية الكبرى، التي جعلت الحياة أفضل على هذه الأرض، وحفظت مواردها من النفاد، لنتخيل ذلك كله، لندرك القيمة النادرة للسلام على هذا الكوكب، ومدى حاجتنا إليه، ليس لنعيش فقط، وإنما لنبني كل مظاهر الحضارة ونعيش روحها على هذا الكوكب.
دائماً احتاجت البشرية إلى السلام، ولولا أنه ساد في حقب كثيرة في التاريخ، لما تمكن البشر من التعبير عن إنسانيتهم وقدرتهم على التعايش والصفح والتسامح، وتجاوز آثار الحروب على الإنسان والعمران، ولما نجحوا في الانتقال من المجتمعات الرعوية إلى الزراعية والصناعية، وصولاً إلى بلوغ الحياة هذا المستوى من التقدم المدهش في التكنولوجيا وآفاقها، التي جعلت الإنسان حريصاً على صنع السلام وترسيخ ثقافته، باعتباره الحاضنة الأساسية للنماء والازدهار.
21 سبتمبر من كل عام مكرس للاحتفال باليوم العالمي للسلام، بدعوة من الأمم المتحدة، التي تعمل فرقها الإنسانية حول العالم على احتواء آثار النزاعات بين الدول، وعلى توفير الغذاء والدواء والإيواء للضحايا، فكلفة غياب السلام باهظة، لأنها تمس أطفالاً ونساء وشرائح اجتماعية كثيرة، وتحقيق السلام، بمعناه الأمني المباشر، أو المعيشي، أو النفسي، أو الثقافي، يتطلب جهوداً استثنائية وموارد كبيرة، من أجل ديمومته وتحقيق الرخاء والازدهار.
السلام مسؤولية حضارية أولاً، لأنه الضامن الأهم لحماية الحضارات من التصدع والانهيار، فكم من منجزات بشرية لدى أمم سالفة، دمرتها الصراعات، وأصبحت في حكم النسيان، ولم يصلنا منها شيء، وهو أيضاً مسؤولية ثقافية، تختبر قدرة الشعوب على الحوار والتواصل والتسامح، وصولاً إلى التفاهم على الغايات والمصالح المشتركة.
ضوء
أيضاً، نحتاج كبشر إلى السلام الداخلي، الذي يجعلنا أقل غضباً وتوتراً، وأكثر هدوءاً وإنتاجاً وإقبالاً على الحياة، فمن دونه يعيش الإنسان كثيراً من الاضطراب والقلق والخوف.