اختلفت الآراء حول الحكم على الأشخاص من خلال ما ينشرونه على حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، ومما لا شك فيه أنه من الصعوبة للوهلة الأولى، التعرّف إلى شخصية الإنسان وسماته وتصرفاته من خلال منشوراته وصوره وتعليقاته. لكنْ مختصون في علم النفس وباحثون في سلوكيات مستخدمي الـ«سوشيال ميديا»، خلصوا إلى طرق لتحليل الشخصية عن طريق مراقبة الوقت الذي يقضيه المستخدم، ونوعية وعدد المنشورات والتعليقات والصوّر على الشبكات الاجتماعية. فهل من الممكن الاستفادة من نتائج تلك الدراسات لمعرفة الجوانب التي قد يخفيها الشريك؟
جوانب مخفيّة
الشبكات الاجتماعية لا تبرز إلا جانباً بسيطاً من الشخصية، وعلى الرغم من أنّ الواقع المُعاش له أدوات مختلفة تماماً للحكم على الأشخاص، إلا أن هناك دراسات بيّنت طرق معرفة هذا الجزء البسيط من خلال كيفية التعاطي مع تلك الشبكات، والذي قد يكون فارقاً مهماً في بعض الأحيان، خاصة إذا ما ساعد على اكتشاف ما قد يخفيه الشريك، أو ما لا يظهر بالتعامل الحذِر والمنمّق أثناء فترة التعارف أو الخطبة.
ويؤكد المتخصص والباحث في العلاج السلوكي للأطفال والشباب باستخدام الرياضة أنس زكريا، أنّ الكلمات والعبارات التي يكتبها الشخص ويتواصل بها مع الآخرين في الـ«سوشيال ميديا»، تعبّر بشكل غير مباشر عن جانب من شخصيته، وعندما يتم تحليلها حسب الدراسات المتخصّصة، فإنّها «تعكس بشكل أوبآخر المستوى الفكري والأخلاقي للشخص في الواقع، وربما تكشف عن اضطرابات نفسية وسلوكية».
فشل عملي
تؤكّد استشارية العلاقات الأسرية والزوجية الدكتورة نسرين خوري، على أنّ كثرة منشورات الشخص على الشبكات الاجتماعية، وتفقّده لهاتفه أكثر من خمس مرات في الساعة، قد يكون مؤشراً على إصابته بالاكتئاب، أو على الأقلّ بالقلق المزمن وما يصاحبه من اضطرابات النوم والأحلام المزعجة، مشيرة إلى أنّ أكثر الأشخاص تعلقاً بهواتفهم هم ضعاف الشخصية وكل مَن لديهم فراغ، وأولئك الفاشلون عملياً، فلا يوجد شخص ناجح في حياته الشخصية والعملية، لديه من الوقت ما يضيعه لنشر أومتابعة منشورات وصور الآخرين بهذه المبالغة.
شخصية سلبية
تزايد المتوسط العالمي، خلال السنوات القليلة الماضية، لعدد الساعات اليومي الذي يقضيه الفرد على وسائل التواصل بشكل كبير ليصل إلى 135 دقيقة، وقد غيّر هذا من هيكلة مجتمعاتنا وسلوكنا كوحدات في هذه المجتمعات. وهناك الكثير من الأبحاث، كما يقول زكريا التي تشير إلى أن «استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من اللازم يقود الشخص إلى الشعور بأنه مستبعد من خطط وأنشطة الآخرين، ويدفعه إلى مقارنة اجتماعية سلبية، فيرى حياة الآخرين أكثر سهولة ومتعة وأكثر نجاحاً وشعبية، مما يصيبه بالإحباط والنظرة السلبية لأبسط المشكلات التي يمرّ بها، إضافة إلى عدم الشعور بالأهمية، مما يجعله أقل استمتاعاً بالحياة، وأقل انخراطاً في الأنشطة المنزلية وفي تكوين علاقات عاطفية واجتماعية صحّية». وتبعاً لزكريا فإذا كان الشريك يفضّل قضاء الوقت مع هاتفه المحمول لمدة تزيد على ثلاث ساعات في اليوم، عوضاً عن مشاركتك في أي نشاط أو هواية أو حتى حديث، فأنت في علاقة مع شخص سلبيّ، مصاب بالإحباط، وأكثر عرضة، بمقدار الثُلث، تبعاً للدراسات، للشعور باليأس، وتفضيل الوحدة، على فكرة الارتباط.
حقيقتنا غير المنشورة
التعامل المادي هو أكثر ما يكشف جوهر الإنسان ومعدنه، وفي العالم الافتراضي ما نحن إلا تلك الكلمات والاعترافات والصّور التي لا ننشرها، فالشبكات الاجتماعية ما هي إلا وسيلة للتعبير عن ما نريد أن نكونه، أو نتمناه، أو نرغب بأن يرانا الآخرون عليه، وبالتالي «فمن الضروري عند بناء حكم أو انطباع على شخص من خلال منشوراته، أن نأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار».
شخص أناني
كشفت دراسة علمية حديثة أن الإفراط في نشر الصور، خاصة صور «السيلفي»، على مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف منصاتها، قد ينبئ بالإصابة بأعراض النرجسية. وتعتمد مواقع التواصل الاجتماعي بصفة عامة على المشاهدات والإعجابات لما يُنشر من صور وآراء شخصية، ومع الوقت يشعر المستخدم كما تقول الدكتورة نسرين خوري بسعادة لكونه محط إعجاب أو لأنه يلفت الانتباه بما ينشره، مما يدفعه لمزيد من النشر، لحصد مزيد من الإعجابات التي تُرضي غروره، فإذا ما لاحظت أنّ الشريك لا يشعر بأهميته إلا من (لايكات) الآخرين، فهو يعاني من النّرجسية، وهو اضطراب في الشخصية يتسم صاحبها بالأنانية والغرور والتعالي وعدم الشعور بمن حوله، ولا يتقبّل النرجسي النّقد.