تخوض الفنانة التشكيلية الفلسطينية أميرة مناح تحدياً كبيراً مع اللوحة «حسب تعبيرها»، لتخرج بعمل فني مكتمل الأركان، وقد جسدت رؤيتها كما أرادتها على «الكانفس». فلوحاتها عنادية كشخصيتها وتحمل حالات متباينة، تعشق إيقاع التضاد. مناح المقيمة في القاهرة قدمت مؤخراً أحدث معارضها الفنية بعنوان «القرية» عرضت خلاله رؤية بصرية من خلال معايشة حية لبعض القرى في مختلف دول العالم.
• حلت «القرية» كعنوان لمعرضك الأخير.. فلماذا اخترت هذه الفكرة لتناولها بتجربتك الفنية؟
القرية غنية بالعناصر، بها ألوان بكثافة في المزارع والأفق والأرض. نرى الألوان بخطوط الطول والعرض، والألوان مهمة جداً في العمل التشكيلي. وهذا الغنى بالعناصر والألوان يشجع أي فنان على تناولها بعمله. لدينا هنا حالة حسية جميلة في القرية لا نراها في المدينة التي تتسم بالصخب العمراني والتكدس السكاني. ربما يفوت الإنسان مناظر كثيرة قد تكون مشاهد جميلة، ولكنها تمر نتيجة ازدحام المدينة. الليل كذلك من المهم أن نشاهد فيه السماء والنجوم وانعكاس ضوء القمر على أسطح البيوت والزرع. نستطيع أن نرى هذا ببراح شديد في القرية. والمحصول الموجود بالحقول. كل هذا يؤكد وجود عنصر الزمان بلوحاتي حيث يكون فيها ليل ونهار وصيف وشتاء.
معايشة
• تُبنى تجاربك الفنية على المعايشة والواقع فماذا عن زيارتك للقرى التي رسمتها؟
القرية لم آخذها من صورة فوتوغرافية أو مجلة. عشت في قرى كثيرة بمصر. كما زرت أخرى في أنحاء العالم. القرى خصائصها متشابهة وإن اختلفت في تفاصيل كثيرة، وهذا يصل في إحساسي وهو ما استفزني لعمل معرض عن القرية. الإحساس الذي يصلني في أي قرية بأي مكان في العالم، هو إحساس واحد يتمثل في السلام والهدوء وجمال الألوان، والفراغ الكبير الذي يمثل قيمة وليس مجرد فراغ لا يعني أي شيء. هذا الفراغ متنفس كبير للإنسان خارج المدينة.
• هل يمكنك تغيير اللوحة بعد بدايتها مع وجود خطة مسبقة للعمل؟
هذا يحدث لكن لا أغير العمل نفسه. طبيعة عملي تكون طبقات فوق بعضها من الألوان. مشهد اللوحة عندي يكون أسفله عشرات من المشاهد السابقة له. أضيف وأحذف وأغير في اللون والتركيبة ولكن في النهاية أكون محصورة في مشهد معين، أشعر به وأريد أن أخرج إحساسي به. ربما في البداية أكون أحياناً غير راضية عن ترجمة الإحساس على اللوحة، فتظل هناك مراحل من التغيير والإضافة والإزالة، إلى أن أشعر بأني استطعت أن أملك السطح الذي أمامي ويعبر بشكل كبير عن الإحساس الذي أريد إيصاله للمتلقي.
تجارب
• كيف هي علاقتك مع اللوحة؟
أخوض مع اللوحة تحدياً خاصاً حتى أنقش عليها ما يجول في ذهني، فاللوحة كمساحة بأربعة أضلاع، لا بد أن أحصر المشهد فيها. فمن يستطيع أن يعبر عن إحساسه في (مساحة متر × متر). الناس دائماً لديهم الكثير الذي يريدون أن يقولوه عن مشاعرهم أو تجربة عاشوها، فإن يخرجوا ذلك في سطح واحد فهذا تحدٍّ. لذا تجدين عملي متنوع المشاهد. مهم جداً أن أقول ما شعرت به في لوحة ما، وعندما اختلف الضوء و«بالتة» الألوان خرجت لوحة أخرى بإحساس مختلف وهكذا.
• وسط أعبائك الأسرية كيف تمارسين الفن وهل لأبنائك دور في أعمالك؟
بعد التخرج والزواج لم أعمل لمدة سبع سنوات، حيث أنجبت ابنتي ميادة ولمى. وضعت خطة مستقبلية لعدم العمل إلى أن تكبرا وتلتحقا بالدراسة وتستطيعا الاعتماد على نفسيهما، عندما أنشغل بعملي. عندما كبرت البنتان وبدأت مرحلة العمل وشاركت في المعارض الجماعية والفردية. حصدت جوائز. الوقت الذي أجلته لمدة سبع سنوات حصدته في أول سنه قررت العمل فيها. ابنتاي تساعدانني في تفاصيل خاصة بعملي كمساعدتين وهما ذراعي اليمنى. فقد نشأتا في بيئة فنية من حيث الأب كنحات والأم مصورة. بالتالي تفهمان جو العمل ومفرداته وظروفه. أستشيرهما في عملي حيث إن إحداهما درست الموضة في الفنون التطبيقية والصغرى درست الفن بالدراسة الثانوية ومن ثم هما أيضاً عن دراسة تفهمان العمل الفني.
مظلة القيم الجمالية
تقول الفنانة أميرة مناح إنها ترسم لوحاتها بخامة عصية هي (الأكريلك)، موضحة: «لا يمكن لأي فنان أن يعمل بها، إلا إذا كان اعتاد استخدام هذه الخامة لمده طويلة، وعرف خباياها وسرعة جفافها، حتى يأخذ أجمل ما في هذه الخامة. حضور الإحساس مهم جداً. الفنان يلعب تحت مظلة القيم الجمالية. لابد أن يضع القواعد والأسس الخاصة باللوحة في حساباته وفي الوقت ذاته يتمرد عليها».