في عام 1948 بدا الاعتراف الفعلي بالقيمة الفنية والعامل المهم والمؤثر للأزياء والملابس في الفيلم السينمائي، حينما منحت أكاديمية الأوسكار وبعد 20 عاماً من بداية حفلات توزيع جوائزها، أول جائزة في هذا الشأن لفيلم هاملت / Hamlet لأفلام الأبيض والأسود، وفيلم Joan of Arc للأفلام الملونة، حيث اعتادت الأكاديمية تقسيم الجائزة بين النوعين، ثم في عام 1958 تم دمجها لتكون جائزة أفضل تصميم أزياء لفيلم واحد سواء أكان ملوناً أم بالأبيض والأسود قبل أن يعود الفصل من جديد لسنوات محدودة.
كان اللافت أيضاً أنه في بداية الجائزة، كانت الأفلام الفائزة بأوسكار أفضل تصميم أزياء من أفلام الأسود والأبيض هي أفلام تحكي الواقع المعاصر، بينما الأفلام الفائزة من الأفلام الملونة هي غالباً ما تكون من أفلام الملحميات والمسرحيات، وهنا تظهر قوة اللون في الإفصاح أيضاً عن قوة الأزياء. بينما يمكن ملاحظة أمر مثير آخر في هذه الجائزة منذ الستينات وحتى اليوم، وبعد أن تم دمج الجائزة بشكل نهائي لتتنافس أفلام الأبيض والأسود والأفلام الملونة معاً، وهو أن الأفلام الفائزة دائماً هي أفلام تعود للماضي أو أفلام الخيال العلمي والفانتازيا - ولذا كان فيلم Black Panther هو الفائز في آخر حفلات الأوسكار، بينما طيلة هذا التاريخ لم يفز فيلم يحكي واقعاً معاصراً لتاريخ إنتاج الفيلم وأحداثاً حديثة، سوى بضع مرات قليلة منها Travels with My Aunt عام 1972 وفيلم The Adventures of Priscilla, Queen of the Desert عام 1994.
كانت هذه لمحة سريعة تعبر عن الاعتراف بقيمة تصميم الأزياء، والذي ربما يأتي استجابة متأخرة نوعاً ما للشكل الفني الذي كان معتاداً منذ أيام المسرح، ويمثل قوة تعبيرية عن معنى القصة وفكرة العمل الفني ومغزاها.
الأزياء ليست عنصراً منعزلاً
يقول لوت أزنر في مجلة السينما التي خصصت عام 1948 عدداً خاصاً عن الأزياء حينها: «الملابس في الفيلم لا تكون مطلقاً عنصراً فنياً منعزلاً، وينبغي النظر إليها من جهة أسلوب خاص للإخراج في إمكانها أن تزيد أو تنتقص من تأثيره»، بينما في مقولة أخرى جميلة عنونها كلود أوتان لاراه، الذي عمل في تصميم الأزياء والملابس حتى قبل أن يكون مخرجاً: «على صانع ملابس السينما أن يكسو الشخصيات»، مشيراً بهذه المقولة إلى قوة الأزياء والملابس في التعبير عن الشخصيات وهويتها وحتى سلوكياتها. يقول جاك مانويل: «إذا أردنا حقاً أن نعتبر السينما عيناً فضولية تحوم حول الإنسان قانصة مواقفه وحركاته وانفعالاته، فإن علينا أن نقر بأن الملبس هو أقرب شيء إلى الفرد، فهو الذي يقترن بشكله ويجمله أو على العكس يميزه ويؤكد شخصيته».
النماذج الاجتماعية
إذا كانت الملابس ستحدد للوهلة الأولى جنسية الممثل أو مرجعه، كما هو الزي المكسيكي أو ملابس الهنود الحمر في أي فيلم من أفلام الغرب الأميركي الشهيرة، فإن الأهم أيضاً هو تحديد النماذج الاجتماعية وتفاوت الطبقات، وهذا يمكن ملاحظته في أي فيلم من حقبة الخمسينات مثلاً. وربما تجاوز الأمر التعبير الموضوعي في الفيلم إلى التصميم الفني في الشكل، كما هي أفلام حقبة العصور البريطانية الشهيرة كالعصرين الإليزابيثي والفيكتوري، والتي كثيراً ما تكون حاضرة في موسم الجوائز، وهو ما يفسر وجود فيلمين مرشحين للجائزة في آخر حفلات الأوسكار من بين خمسة أفلام وهما Mary Queen of Scots, The Favourite.
التعبير العاطفي
في إضافة جميلة حول هذا الموضوع يذكرها الناقد مارسيل مارتن في كتابه «اللغة السينمائية» حول التعبير العاطفي الذي يمكن أن تحدثه الأزياء، خاصة مع دخول اللون كتعبير عن تغير حال الشخصية ذاتها، حيث يقول: «يستطيع صانع الملابس أن يخلق مؤثرات سيكولوجية بالغة الدلالة»، ثم يستشهد بوصف آل سوريو في كتاب (العالم الفيلمي)، حيث يضرب مثلاً بالتطور العاطفي الذي حصل لشخصية ماريان في الفيلم الشهير روبن هود، حيث كانت في البداية ترتدي الأحمر مثل شخصية جنسبورن، باعتبارها أحد أنصاره وتابعيه لكنها فيما بعد حينما تتقرب رويداً للبطل روبن هود، فإنها تتحول في لبسها على نوع من الملابس الفاتحة التي يسود فيها اللون الأخضر وهو لون البطل الشعبي روبن هود نفسه.