حين كتب الأمير خالد الفيصل قصيدته «مجموعة إنسان»، واستجمع فيها التناقضات التي يحملها كل إنسان في داخله، كرس فكرة الجمال من خلال المتقابلات، التي تسمى في اللغة الطباق، كالليل والنهار والضحك والبكاء والفرح والحزن.
وإن كان الإنسان هو فعلاً عبارة عن مجاميع متحدة، فإنه من زاوية بعيدة عن الطباق أو الصور المتقابلة، فإن الإنسان بشخصيته التي عرفه بها الناس، يتكون من مجاميع متحدة شكلت هذا الإنسان، بمواهبه وفرادته وتميزه عن الآخرين.
وكل واحد منا يستطيع أن يحدد الأجزاء المجتمعة التي كونته، فهناك إنسان شاعر وعاشق ورجل أعمال، وهي علامات مميزة له على المستوى الأول، الذي يعرفه بها الناس عموماً، كما هي الحال مع المتنبي شاعراً، وروميو عاشقاً، وأحمد زكي ممثلاً، وبيكاسو رساماً، وبيتهوفن موسيقياً. بينما هناك أجزاء صغيرة أخرى تسهم في تحديد ملامح تلك الشخصية، حيث هو أب لفلان وفلانة وابن لفلان وفلانة، وشقيق فلان وفلانة، وولد بالدولة الفلانية، والطول واللون وهي أشياء ثابتة لا يمكن تغييرها.
وهناك أجزاء تتعلق بالمستوى الأخير وهو المتغير، والتي يمكن أن تتغير بخلاف المستوى الأول، مثل أنه يحب الأكلة الفلانية، ويسافر دائماً إلى الدولة الفلانية، ويكره أو يحب ألبسة معينة، وهو جار فلان ويعمل بالمكان الفلاني، وهي كلها أجزاء من الشخصية قابلة للتغيير، وإن كانت أجزاء من تكوينه الخاص.
تندمج أجزاء صغيرة قد يراها البعض بشخصية الإنسان، إلى درجة التماهي، فيصبح أحدها الآخر، كالموسيقى وبيتهوفن، فإن ألغيت الموسيقى لن يكون هو بيتهوفن، وقد اختفت على علاماته الفارقة، فلا أحد يلتفت إلى مكان ولادته، هل هي ألمانيا أم النمسا التي برز فيها، ولا من هم أبناؤه إن كان لديه أبناء، ولا أحد يلتفت إلى ماذا كان يحب من الأكل والألبسة، وتنطبق هذه الحالة على بيكاسو والمتنبي وغيره، ممن اختفت أجزاؤهم وبقيت صفة واحدة اختصرت جميع الأجزاء.
إن الموهبة والعبقرية الكبيرة هي القادرة على ذلك الاختزال للأجزاء المكونة لشخصية الإنسان، وهناك حالات أخرى حين تكبر في نفس الإنسان حالة ما، كالحب مثلاً، فيصبح هذا الإنسان عاشقاً، وتكون حبيبته في حياته هي الجزء الأبرز، وما عداها أجزاء لا يلتفت إليها كثيراً، وإن كانت من ضمن تكوينه الشخصي، فهي وهو مسميان فقط لفرد واحد.
شـعر
بيني وبينكِ صورة لا تنتمي إلا لنا
يقتصُّ مِنْ ألقي
فلأيِّنا وَهَجُ السنينِ المقبلاتِ لأيِّنا
وفي شفتيَّ تُخرسني المنى
وَجعُ انتظارِ الخوفِ
ويغصُّ في سمعي نداؤكِ
إنْ رَحَلَ السَّنا
كلما ناديتِ عودي ...
ولئِنْ بدا ما كنتُ أحسبُ أنَّه
ليس في صوتي الذي يغري
لن يبتدي يوماً وصوتكِ خنجرٌ
فقد رَحَلَ الغنا