هل يمكن لخالي البال أن يصف لذة النوم؟ ووسادة من ريش لا شوك السهر؟ أن يصف ضحكة الشمس الصافية، أنس الضحى الرحيب، كيف يخلع الليل عباءته. أطنب الشعراء والعشاق في ذكر السهر، هو دربهم الذي يمشونه كل ليلة، لا هم يسقطون في بئر النوم، ولا الطريق ينتهي، لكنه ممتد وإن لاح الأفق بانتهاء المسير. إذا صباحهم أسفر تعثروا في حفرة النوم، تاركين السهر متيقظاً ليل نهار، يبقى صامداً بلا رفيق، في انتظارهم لليلة أخرى، فهو خير رفيق لهم.
في الليل بعد أن يهجع البشر، تنام معظم الكائنات، يبقى الحالمون الساهرون، في ليل المدينة الصاخب، التي تشعل مصابيحها، لتحول الليل إلى نهار. تعبر بالساهرين برودة الليل، تقشعر أبدانهم، من البرودة ووهن الأرق، في الصيف تغازلهم النسائم الهادئة الرطبة. هم وحدهم عليهم أن ينسجوا بالسهر ومن السهر قصائد خالدة، روايات متفردة، خواطر تسكن خلجات النفس، اختراعات وابتكارات تسهل الحياة. بهذا يطمئن البال، يكون للسهر معناه وبريقه، يجدون له محاسن وإيجابيات.
في الصباح تقتحم عيون الآخرين المكان، تطالع آثار الساهر ليلاً وأعماله، أكواب القهوة والشاي، قشر المكسرات، تفاحة مقضومة، أوراق مبعثرة لقصيدة شبه مكتملة. يبقى السهر جامداً في مكانه، يراقب ما يفعلون بأوراق رفيقه، لا يرن في المكان سوى الصمت. تُرتب الأوراق على الطاولة، صوت خافت يلهج له بالدعاء، بأن ينام في الليل كبقية الناس.
ويبقى السهارى يرددون ما قاله ابن الزيات:
مــن لـــهُ عهــدٌ بنـــومٍ
يرشــــدُ الصبَّ إليه
سهرت عيني ونامت
عينُ من هُنتُ عليه