عندما تستريح قليلاً أثناء العمل وتأخذ قسطاً من الراحة لتناول فنجان من القهوة العربية مع بضع تمرات، فتستعيد نشاطك فوراً وتشعر بالانتعاش والبهجة، وعندما نتحدث عن السنع الإماراتي في تقديم القهوة العربية لا بد من وجود خبير القهوة الوالد سيف الدهماني، الذي أمضى أعواماً من حياته ليست بالقليلة يغدو ذهاباً وإياباً ليصنع القهوة ويقدمها للناس في المهرجانات التراثية، ويضرب أروع الأمثال في الكرم والجود العربي الأصيل، عندما يمثل الإمارات في الخارج. وهو يرى أن الإنسان في الخارج سفير لبلاده فاستحق لقب سفير القهوة، كما تطلق عليه الصحف العربية والأجنبية.
حل المشكلات
ورث سيف الدهماني تعلم سنع تقديم القهوة العربية من والده منذ نعومة أظفاره، مؤكداً أن القهوة العربية لها آداب وطقوس وأسهمت في حل الكثير من المشكلات الأسرية، إذ تعتبر رمزاً للضيافة والكرم والجود، ويحكي الوالد سيف في ذلك: أنه إذا واجه شخص مشكلة مع أحد أقاربه أو جيرانه فإنه يذهب بشكواه إلى شيخ القبيلة، الذي يقوم بدوره بالذهاب إلى الشخص المشكو في حقه ويرفض شرب القهوة إلا بعد أن يلبي طلبه في حل خلافه مع الشخص الآخر.
يتذكر الوالد سيف أياماً زاخرة بالحكايات التي لا تنتهي عن التراث الإماراتي وحكايات الأجداد، مشيراً إلى أن «المنحاس» الذي يتم دق حبوب البن فيه كان يستخدم أيضاً في إيقاظ أهل الدار لتأدية صلاة الفجر كون صوت دقاته يسبب رنينا مميزاً قادراً على إيقاظ أهل الدار.
آداب وطقوس
يقول عن آداب تقديم القهوة: في البداية كنا نشتري القهوة العربية من الأسواق، حيث كان شائعاً في السابق نوعان فقط، الأول هو القهوة السيلانية وكانت تأتي عن طريق الهند، والقهوة الحبشية وتأتي عن طريق اليمن، أما الآن فأصبحت هناك أنواع عديدة من القهوة تأتي من أماكن مختلفة، مثـل البرازيل، وأميركا، وبداية يتم تحميص القهوة في «التاوه» أولاً ثم تدق في وعاء يطلق عليه «المنحاس» ثم توضع القهوة في دلة على النار حتى الغليان، ويضاف إليها الهيل أو الزعفران حسب رغبة ومزاج الشخص، ويتم طهو القهوة في ثلاث دلال الأولى تسمى «التلقيمة»، والدلة الكبيرة تسمى الخمرة نضع فيها الماء المغلي باستمرار، والدلة الثالثة وتسمى المزلة ونصب «نزل» فيها القهوة الموجودة في التلقيمة «الدلة الأولى» من أجل التقديم.
كبار القوم
ويوضح سيف الدهماني أن لتقديم القهوة «طقوساً خاصة»، حيث يبدأ بتقديم القهوة للأكبر سناً في المجلس أو الأكبر منصباً، والفنجان الثاني يعطى لثاني شخص على اليسار ويمين مقدم القهوة وهكذا إلى أن ينتهي الدور، وإذا اكتفى الشخص من كمية القهوة المقدمة عليه أن يقوم بهز الفنجان في دلالة على أنه لا يرغب في المزيد، بينما إذا لم يفعل ذلك فمعناه أنه يرغب في تقديم القهوة مرات ومرات.
ويضيف: من آداب التقديم أيضاً أن تمسك الدلة باليد اليسرى والفناجين في اليمنى ومن آداب التقديم المهمة أن يظل مقدم القهوة واقفاً طوال الجلسة.
طرق الإعداد
ويختلف طعم القهوة بحسب بلد المنشأ، أما طريقة التحميص والإعداد فإنها واحدة في كل الدول، ويوضح الوالد سيف أنه توجد ثلاث طرق لتحميص القهوة، منها: الشقراء ويتم تحميصها في بعض دول الخليج، ويكون لون القهوة بعد التحميص أشقر. والطريقة الثانية أن يكون لون القهوة مائلاً إلى الاحمرار مثل دولة الإمارات وسلطنة عُمان. أما الطريقة الثالثة فتأخذ القهوة وقتاً أطول في التحميص إلى أن تكتسب لوناً غامقاً قريباً للأسود مثل التي تقدم في بلاد الشام.
دلة الدرهم
ويوضح الوالد سيف أنه يوجد حوالي 7 أنواع من الدلال التي يتم تداولها في المنطقة العربية ويطلق على كل دلة اسم الشخص الذي صنعها أو اسم حاكم المنطقة أو اسم المنطقة نفسها، إذ تسمى الدلة في الإمارات قديماً «الدلة الفلاحية»، لأنها صنعت في عهد قبيلة بوفلاح في عصر الشيخ زايد الأول، وقد رسمت في الآونة الأخيرة نظراً لأهميتها وتقدير الإماراتيين لها على عملة الدرهم الإماراتي.
ويستكمل: هناك الدلة «الحساوية» وكانت تصنع في منطقة الأحساء بالمملكة العربية السعودية، الدلة القريشية نسبة إلى قبيلة قريش وتصنع أيضاً في السعودية، والدلة «الحايلية» نسبة إلى مدينة حائل بالسعودية، ودلة رسلان التي سميت على اسم صانعها من بلاد الشام، ودلة الصلاحية التي تصنع بالشام أيضاً، ويقال إنها سميت كذلك نسبة إلى القائد العربي صلاح الدين الأيوبي، فضلاً عن الدلة البغدادية في العراق.
السراء والضراء
ويسرد لنا الوالد سيف قصة المقولة المشهورة بين العرب التي تقول: «الفنجان الأول للضيف والثاني للكيف والثالث للسيف»، بأنها جاءت من حكاية أحد أمراء نجد، حيث كان ذاهباً إلى الشام من أجل التجارة، وعندما حل المساء استلقى الأمير ليأخذ قسطاً من الراحة فوجد نوراً يضوي من بعيد، وعندما وصل إليه وجد بدوياً يسكن بيتاً من الشعر وعندما تحدث إليه رحب به البدوي وبدأ بصب أول فنجان من القهوة فشربه الأمير ثم صب له الفنجان الثاني فشربه أيضاً، ورفض شرب الفنجان الثالث فسألة البدوي «ألم يعجبك مذاق القهوة؟»، فرد الأمير قائلاً: أنا هنا من أجل التجارة وليس الحرب، فإذا شرب الفنجان الثالث يلزم هذا البدوي أن يكون معه في السراء والضراء، وأن يبادله الأمير ذلك ويكون عليه حمايته ويصير مسؤولاً منه، ويصبح بينهما عهد لا يمكن نقضه.
علاج الأمراض
ويقول الوالد سيف عن الفوائد الجمة للقهوة منذ بداية اكتشافها في القرن الرابع عشر إنها كانت تدخل في صناعة الأدوية وكانت تسمى «البن والبرشام» حتى القرن الحادي عشر استخدمها الطبيب الرازي في التداوي وكانت علاجاً لكثير من الأمراض واستخدمت في التخدير وعلاج أمراض الحساسية وشفاء الكثير من الجروح وبعد ذلك استساغ طعمها راعي غنم عندما كان يذهب للرعي وعند عودة القطيع يتأخر «الفحل»، وهو ذكر الغنم في القطيع، عن العودة، فراقبه فاكتشف أنه يذهب إلى شجرة القهوة ويأكل منها يومياً في نفس الموعد، فأراد أن يعرف سر الفحل وحبوب القهوة فأخذ منها وقام بطهوها وشربها فتحسن مزاجه فانتشر شربها في شبه الجزيرة العربية.
ويضيف: وفي عام 1450 تقريباً انتقلت إلى تركيا وصنعوها بطريقتهم «القهوة التركي» وهي التي نحتسيها حالياً، ثم انتقلت إلى إيطاليا 1645وتطورت وأطلقوا عليها «الكابتشينو»، ثم ظهرت في بريطانيا، وانتشرت في أنحاء العالم وتجمع حولها مئات العلماء والمثقفين في المقاهي.