باعتبارها الفن السابع أو آخر الفنون البشرية وأحدثها، والتي لم تتجاوز حتى الآن 125، مما جعلها تزامن كل التغييرات الحديثة على مستوى الفكر والثقافة والتحولات الاجتماعية والأحداث السياسية في القرن الأخير، مما انعكس بطبيعة الحال على مضامين الفيلم السينمائي ليؤدي في النهاية إلى أن تتبنى السينما إجمالاً تلك القيم الإنسانية التي تضيف معنى مثالياً للوجود البشري، كما كانت الحال في بقية الفنون والآداب. فالسينما كما نعرف لا يمكن أن تقتصر فحسب على المفهوم الفني البحت وتجلياته، فهي غالباً ما تكون انعكاساً أميناً للفكر والتغييرات الاجتماعية والأحداث السياسية، سواء بالنقد أو بالإشادة والاحتفاء.
بدايات السينما
من أبرز هذه القيم الإنسانية قيمة التسامح، والتي جاءت ابتداء حول التسامح الديني، كما كتب حينها الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في رسالته الشهيرة في التسامح في القرن السابع عشر، لكن هذا المفهوم توسع كثيراً ليشمل كل أنواع التسامح ونبذ التحيز والعنصرية والإقصاء، لتكون موضوعات من نوع بشاعة العنصرية وقبح الحروب القائمة على أساس الصراع الديني ومناصرة النسوية من الموضوعات الشائعة في الأفلام السينمائية والتي تتصاعد وتيرتها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، ولذا فحتى الأفلام الشهيرة والمؤثرة في الشكل الفني للسينما، مثل فيلم الأميركي ديفيد غريفيث مع بدايات السينما عام 1915 (مولد أمة / The Birth of a Nation) كان قد واجه حملة كبيرة من الاعتراض والامتعاض لمجرد أن يشي نوعاً ما بشيء من العنصرية تجاه السود وتصويرهم بطريقة تحيزية.
مهاجرون ولاجئون
لكن الاستقصاء العام حول السينما سيدفعنا باتجاه تأكيد دور السينما في تبني قيم التسامح بشكل متفاوت ما بين فترة وأخرى، لكنه في تصاعد ليمثل أكثر صوره تجلياً في الانتصار لهذه القيم في السنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي يبدو متفهماً لتصاعد القيم الإنسانية فكرياً وبروز القضايا السياسية والاجتماعية الحديثة، فحتى العام الماضي مثلاً كانت مسألة المهاجرين واللاجئين موضوعاً لأفلام مخرجين عديدين، مثل الفنلندي الشهير آكي كورسماكي في فيلمه الأخير The Other Side of Hope والذي يحكي قصة مصادقة أحد مطاعم البوكر وبائع سابق في السفر مجموعة من اللاجئين الذين وصلوا حديثاً إلى فنلندا.
عنصرية متحيزة
وفي محاولة لإجراء عملية جرد سريعة لتلك الأفلام التي تبنت موضوعاتها هذه القيمة الإنسانية العظيمة سنجد أمامنا العديد من الأمثلة، ومنها تلك الأفلام الشهيرة والمعتبرة فنياً في تاريخ السينما العالمية، كما هو فيلم روبيرت موليغان To Kill a Mockingbird عام 1962 المرشح لأوسكار أفضل فيلم وإخراج والفائز بأوسكار أفضل سيناريو مقتبس، إضافة لأفضل ممثل لنجم الستينات غريغوري بيك الذي أدى دور محامٍ في جنوب أميركا فترة الكساد، وهو يدافع عن رجل أسود متهم بالاغتصاب بينما يرى هو وأولاده براءته وأن الاتهام جاء بدوافع عنصرية متحيزة.
حروب وصراعات
وحول الحرب التي تأتي نتيجة لانعدام قيمة التسامح والتعايش وفجاعة الصراعات العرقية والمناطقية سنجد مثلاً الفيلم المرشح لأوسكار أفضل نص عام 2004 Hotel Rwanda حول مدير فندق يضم أكثر من ألف لاجئ من التوتسي خلال كفاحهم ضد ميليشيات الهوتو في رواندا، حيث كان الفيلم أميناً ومؤثراً في إظهار بشاعة مثل هذه الحروب والصراعات وتخلي العالم عن إيقافها. كما أن الفيلم الأوسكاري الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم وسيناريو 12Years a Slave عام 2013 يعيد الفكرة من جديد كعملية تكرارية تمارسها السينما في موضوع العنصرية من خلال العودة تاريخياً لعصر العبودية في قصة رجل أسود حر يتم اختطافه في نيويورك ثم بيعه عبداً ليلاقي الكثير من البؤس والعناء. كما هي الحال في آخر ترشيحات الأوسكار العام الماضي حيث تواجد فيلمان في ترشيح أوسكار أفضل فيلم وسيناريو هما Green Book الفائز بأوسكار أفضل فيلم وسيناريو أصلي وفيلم سبايك لي BlacKkKlansman الفائز بأوسكار أفضل سيناريو مقتبس حيث يعالجان الموضوع نفسه المتعلق بالعنصرية بطريقة مختلفة وكوميدية ساخرة أيضاً.