يرتكز اهتمام الفنان التشكيلي المصري عماد إبراهيم على المهمّشين والبُسطاء، إذ يَعْمَد إلى رسم التجمّعات البشرية التي تغيب عن الكثير في محاولة للانتصار لهذه الفئات. ومن هذا المنطلق جاء معرضه «حكايات جميلة»، عن مُعايشة حياتية لقصة فتاة ريفية، مُخاطباً عين ووجدان المُتلقي بمشاهد تعبيريّة صادقة تمسّ مخزونه الثقافي وذكرياته، التقته «زهرة الخليج» في حوار لوني وتشكيلي.. ونسأله:
• كيف تبلورت فكرة معرض «حكايات جميلة»؟
توجد تيمة أساسية حاولت التركيز عليها هنا. كنت أرسم دائماً المشهد برؤية تسجيلية، أقدّم فيه انطباعاتي عن الشكل الذي أراه، ففي معرضي السابق «المولد»، قدّمته بإضاءاته والحالة الصوفيّة فيه. وقبله قدمت معرضاً عن التجمعات البشرية، كوني مهموماً بالبُسطاء والمهمّشين. وفي معرض «حكايات جميلة» وجدت ضالتي، حيث إن مَرْسمي القديم كان في أول طابق من عمارة قديمة، ولحسن الحظ كان مَسْكن البوّاب مُجاوراً لي، فكنت أستمع لأصوات عائلة البوّاب وحديثهم العفوي. فأستدعي ذكريات الطفولة عندما كنّا نحكي «الحواديت»، ونلتف حول الراديو نسمع الأصوات، ونتخيل الشكل، وهو ما حدث مع أسرة البواب. انتبهت لذلك الرجل الريفي الذي جاء للعمل ومعه أبناؤه الأربعة وزوجته. أكبرهم جميلة 16 عاماً. جذبني استيقاظهم مبكراً لشراء متطلبات السكان، بألوان ملابسهم المبهجة، فكنت أسجّل كل حركاتهم وحالات البهجة التي كانوا فيها. رسمت العديد من «الاسكتشات»، وكانت هي المعرض.
• هل تعتمد على مُعايشة الإنسان الحياتية، لطرح وترجمة أفكارك فنياً؟
نعم.. فكل عملي يعتمد على هاجس القراءة أو من دافع نفسي، فلا بدّ أن يُثيرني موضوع ُملحّ.. فلا أرسم لمجرّد الرسم فقط، وموضوع جميلة كان بالنسبة إليّ سَبْقاً. جميلة نفسها حكاية شاهدتها في عيون فتيات كثيرات في مصر، من حيث قلّة الحيلة وعدم القدرة على الاختيار.
• يُلاحَظ على أعمالك الهدوء في الألوان، وكأنك تتأنّى في رسمك؟
فعلاً.. فقد عملت على هذا المعرض قرابة العشر سنوات، حيث استدعت الفكرة هذه المرحلة كلها، فكنت أرسم وأعود لأتوقف، لأشعر بأنني أستطيع مواصلة الرسم بالشكل الذي أتخيّله. في البداية كانت هناك مشاكل في التكنيك، ولكن عبر 10 سنوات تطور الموضوع وتمّ التغلب على هذه المشاكل. لقد قمت بإلغاء بعض الأعمال نهائياً وأعدتُ بعضها، لذا تبدو سمة الهدوء والتأنّي على لوحات هذا المعرض. وعلى فكرة، لا تشكل الأعمال المعروضة 10% من مجموع الأعمال التي رسمتها لهذا المعرض، لأنه نتاج 10 سنوات، ولكن القاعة لم تستوعب عدداً كبيراً من اللوحات.
طاقة الألوان
• نُلاحظ دائماً أن الألوان الدافئة تُسيطر على معظم لوحاتك؟
نعم. ولي وجهة نظر في هذا الموضوع. الحياة أمامنا ملونة، وأرى أن طاقة كل عنصر أرسمه هي الطاقة التي يبعثها في اللوحة، بل هي البطل ومَكمَن الحياة والحركة، لذلك تجدين اللون غير مُحدّد في لوحتي. أحياناً يسيطر على اللوحة اللون الأصفر، وتدخل الأشخاص وحسب أهميتهم في اللقطة أو المشهد الذي أرسمه.
• ولكن، هل تسبق الفكرة اللون أم العكس؟
اللون والفكرة يُكمّل بعضهما بعضاً، ولكن اللون هو «القالب» الذي أضع فيه فكرتي. فاللون يفرض نفسه ويدفعني إلى الموقف. فأحياناً أجد اللون الأزرق أو الأخضر يفرض نفسه، فكل لون جُملة بما يُحيطه، والأجمل صياغته بما حوله.
• يُعد «حكايات جميلة» المعرض العاشر لك فرديّاً. ما التطور الذي لمسته في تجربتك؟
التطور تكنيكيّاً وطريقة التنفيذ، رسمت هذا المعرض بناءً على حاسّة السمع وليس البصر. فالجسم البشري مُتاحٌ له أن يؤدي أي حركة، والمهم أن يكون الجسم مُعبّراً بحركته وليس بلونه أو ملامح وجهه.
• تنتمي إلى جيل التسعينات، المعروف فنياً بجيل «صالون الشباب». ما الذي يُميّز هذا الجيل؟ وما الرابط بين أبنائه؟
هذا الجيل يحمل العبء حالياً. ويُميّزنا جميعاً أننا تم تأسيسنا بصورة صحيحة ودرسنا الرسم كما ينبغي. فهناك أسماء مهمة في الحركة التشكيلية في هذا الجيل هي نجوم الساحة، ولكننا بدأنا في أخذ اتجاهات متعددة، مثل: خالد السماحي، وليد عبيد، شادي النشوقاتي، حنفي محمود، وعمر عبد الظاهر.
لمسة خاصة
يشير التشكيلي عماد إبراهيم إلى أنه لا يؤمن إلى حد ما بالتصنيفات الفنية، موضحاً: «كل فنان يُقدّم في رسوماته الذاتيّة الخاصة به وبلمسته الخاصة، وليس مُجرّد تقليد مدرسة فنية تأثر بها».