عائشة صالح الهاشمي

دعوني أحدثكم قليلاً عن أدب الطفل...

لا لكوني شغوفةً بهذا المجال العظيم، ولكن لكون الطفلة التي ما زالت بداخلي حاضرةً وعلى أحسن ما يرام.

اعتاد والد هذه الطفلة أن يقرأ على مرأى من صغاره، واعتادت والدتها جعل الحكايات جزءاً سحرياً من طفولتهم. لهذا وجدت الطفلة يوماً نفسها تقرأ كتاباً لوالدها من دون أن تفقه تماماً ما في حكاياته، إلا أن هذا الكتاب لازمها حتى أصبحت بدورها أمّاً لصغيرين تقرأ لهما.

لا يختلف اثنان اليوم على أثر القراءة في الطفل، بدءاً من وجوده الأول في رحم أمه، إلا أنني أود أن أستوقفكم هنا للتأمل في أثرها فينا اليوم كراشدين، كما نفضل أن نصنّف ذواتنا. يمنحنا أدب الطفل عدسة نرى من خلالها أنفسنا من منظور لطيف، يوقظنا من رتابة الحياة وجدّيتها، ويعطي همومنا اليومية حجماً أكثر واقعية وألطف وقعاً. حين نرى أنفسنا أو من يشبهنا بعيني شخصية يافعة في حكاية للطفل، فنحن حينها نشهد جوانب من هويّاتنا لم نألفها تماماً. وإذا بالطفل في الحكاية يأخذ بأيدينا نحو فهم أعمق لأغوار أنفسنا التي نراها شديدة التعقيد، بينما يراها هو بالغة القرب والتواضع.

الأهم من ذلك كله هو مقدرة أدب الطفل على طرح أفكار خلاقة وعميقة في قالب من البساطة التي تلامس القلوب. إن لحكايات كهذه أنامل رقيقة تحيك التفاصيل الجميلة كنزةً دافئة تحتضن ذكرياتنا. كائناً من كنت، ومهما كان المكان الذي كونت فيه ذكرياتك، لا بد من أن تجد نفحة من عبير طفولتك بين طيات كتاب وُجدَ لطفل اليوم. سواء كنت صبياً يرافق والده إلى السوق على الدوام، أو متسلقاً ماهراً لأشجار النخيل و(الهمبا)، أو صبيةً مفتونةً بجدائلها الطويلة، أو هاويةً للعب والاستكشاف في الطبيعة من حولها، ستجد في عفوية قصص الأطفال ما سيذكرك بذاتك ويجعلك تبتسم.

وفي المرة المقبلة التي تبتسم فيها أثناء تصفحك قصةً للأطفال، اعلم يقيناً أن شيئاً من القصة ربّت على الطفل الذي بداخلك قائلاً: 

ما زلت حاضراً يا صغير، وعلى أحسن ما يرام.