مريم إبراهيم
سمعتهم يقولون إنّهم يكتبون ليحرروا تلك الأشياء القابعة في أذهانهم، المسيطرة على تفكيرهم، والمستحوذة عليهم حدّ الشرود. يبدو على البعض القوة والتعافي، ويبدو البعض الآخر متقمصاً للحالة أكثر منه معايشاً لها، في الحين الذي أكتبك فيه جزافاً، ربما يحدث ذلك فعلاً ما فيولّد ردّ الفعل الذي أرجو وأشاء. هنا أصبّك أنا على الورقِ صبّاً في القصائد، وأصفّف لك الأدوار في القصص المكدّسة على سطح المكتب، وأجزّ قسوتك أكواماً تتوزّعُ على المشاهد والرؤى في مدونة الجهاز اللوحي. لم تكن كتاباتي إلا خديعة دبّرها عقلي وأوقعني في فخّ أحاول النجاة منه مرةً أخرى. فأجدك تنمو في داخلي وتتفرع لتشتبك مع انكسار الضوء في المآقي، وتشتد في انحسار الصبر ودفق الشعور. فأتورّط بك بعد وهم الإقلاعِ عنك، وأجدني أقصّ آثارك فيّ مع الكلمات التي ظننتُها تخلّصني منك.
في اللحظة التي رفعتُ نحوك البصر، كنتُ أنظر لليد التي ترتفع في الهواء، انقسم الزمنُ حينها إلى شطرين، الأول واقف في صفك يدفع بالريح تحت كفّه، ويشد شعر الجاذبية الأرضية لتخلي سبيل الوزن المسحوب للأسفل. وشطر الزّمن الآخر يؤجج المخيلة، ويضخّمُ احتمال الحُنُوّ، وفكرة التربيت.
وحينما التحمت اليدُ بالوجه، كانت الصفعة التي استدارت بي نحو الباب. حملتُ الصورة واتجهتُ إلى الخارج. يرفع رأسي أجهزة استشعاره باحثاً عن كرامة مهدورة، عن حرية قيد المزاج، للحظة المؤجلة التي لا تأتي.
لم تكن هذه الصورة الأولى، لكنني أردتُها الأخيرة، وعزمتُ ألّا أعاود الاستدارة، أو أسمح للقطة بالتكرار.