الوجود في أكثر من منصة تفاعلية افتراضية هو مجرد انسياق كما يفعل الجميع (لملذة تفاعل وهمي)، خلقت حاجزاً أكبر بيننا وبين الناس والأرض، قتلت الانتباه والوقت والدهشات، سرعان ما ننساق من دون أن ننتبه إلى كوننا نمضي للتنميط والتقولب من دون شعور، مسوغنا أن شريحة كبرى من (الجميع) تفعل ذلك بدافع مواكبة التطور والانبهار. أفكّر في الكاتب هنا، المشغول برصد رعشة الأرض/ أهو بحاجة بائسة لذلك العبور، أمضطر هو لتعزيز وجوده وإبراز موهبته كأسير مكبّل بعدد المتابعين، يمضي على هذا الجسر الهش، متناسياً بحث الإنسان الأول في ذلك السؤال المضني:
أين تكمن قيمة الشيء؟
في تأمله إلى درجة التجسد بداخله؟
أم في تشهير صورة اللحظة الحميمية للتأمل وانكشاف أسرار لحظة الاندماج الروحي مع الشيء؟ ذلك الاندماج هو في الأصل صلاة، ماذا يحدث لتلك الهالة بعد تسرب سر اللحظة المنتشية؟ العملية أشبه بمن يصلّي رياءً، أين يكمن التذاكي الوجداني مع هدية الفرح المُقدّم من الله؟
أفي صون اللحظة الآسرة الخاصة بفرح القلب والتوحّد والذوبان في تأمله؟ أم في تهافت إشهار جمال الهدية للمتابعين على الجهة الافتراضية؟ هل من مبرر لذلك التبذير من الوقت والرزق وطاقة الدهشة؟
أنا كاتبة تخاف من اللحاق بالشتات، الركب التكنولوجي السائل لم أجد له مبرراً، لا حاجة لأكثر من منصة إلكترونية واحدة نتفاعل من خلالها مع العالم. في ظل وسط ثقافي مزدحم بالحراك المتسارع والأضواء المفاجئة والملتقيات والأمسيات الكثيفة. اشتغالنا على هالة النص هو ما يكفل فتح الأبواب جميعها على الكائنات المُعجبة.
هناك أكثر من سبيل لقضاء حياة جماعية مدهشة خارج هذا العالم الشكلي المادّي المُستلب، إن في خارجه ما هو أجمل (خارج أسوار المنصات الإلكترونية)، ما يستحق أن يُحتضَن بامتنان، ويعاش بتأمل، ويجرّب بعمق، الأرض خلقت لإمتاعنا واكتشافاتنا، هي غزيرة في انتظار الحرث، والحياة قصيرة تستحق المغامرة والاحتفال. فكم بقي لنا من عُمر التجربة؟ لن أكون مبدعة كما يجب بين هذا الشتات.