اضطراب طيف التوحد، هو عبارة عن حالة ترتبط بنمو الدماغ وتؤثر في كيفية تمييز الشخص للآخرين والتعامل معهم على المستوى الاجتماعي، مما يسبب حدوث مشكلات في التفاعل والتواصل الاجتماعي. كما يتضمن الاضطراب أنماطا محدودة ومتكررة من السلوك. يُشير مصطلح «الطيف» في عبارة اضطراب طيف التوحد إلى مجموعة كبيرة من الأعراض ومستويات الشدة.
يقدم الدكتور حمزة السيوف، استشاري أمراض المخ والأعصاب عند الأطفال، معلومات عن خصائص وأسباب التوحد، وكيف يتم تشخيصه، والوقاية والعلاجات المشمولة.
يقول الدكتور السيوف: «يبدأ اضطراب طيف التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة ويسبب في نهاية المطاف حدوث مشكلات على مستوى الأداء الاجتماعي - على الصعيد الاجتماعي، في المدرسة والعمل، على سبيل المثال. ويضيف غالباً ما تظهر أعراض التوحد على الأطفال في غضون السنة الأولى. يحدث النمو بصورة طبيعية على ما يبدو بالنسبة إلى عدد قليل من الأطفال في السنة الأولى، ثم يمرون بفترة من الارتداد بين الشهرين الثامن عشر والرابع والعشرين من العمر عندما تظهر عليهم أعراض التوحد».
الأعراض
تظهر بعض علامات اضطراب طيف التوحد على الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، مثل قلة الاتصال بالعين أو عدم الاستجابة لاسمهم أو عدم الاكتراث لمقدمي الرعاية. قد ينمو أطفال آخرون بشكل طبيعي خلال الأشهر أو السنوات القليلة الأولى من عمرهم، لكنهم يصبحون فجأة انطوائيين أو عدوانين أو يفقدون المهارات اللغوية التي قد اكتسبوها بالفعل. عادة ما تظهر العلامات عند عمر عامين.
ويوضح الدكتور السيوف: «الأطفال الذين يعانون اضطراب طيف التوحد يجدون صعوبة في التعلم، وبعضهم لديه علامات أقل من الذكاء المعتاد. يتراوح معدل ذكاء الأطفال الآخرين الذين يعانون هذا الاضطراب من طبيعي إلى مرتفع، حيث إنهم يتعلمون بسرعة، إلا أن لديهم مشكلة في التواصل وتطبيق ما يعرفونه في الحياة اليومية والتكيف مع المواقف الاجتماعية».
العلامات الشائعة
وفيما يلي بعض العلامات الشائعة التي يُظهرها الأشخاص الذين يعانون اضطراب طيف التوحد:
• عدم استجابة الطفل عند مناداته باسمه أو يبدو كأنه لا يسمعك في بعض الأوقات.
• يرفض العناق والإمساك به، ويبدو أنه يفضل اللعب بمفرده؛ أي ينسحب إلى عالمه الخاص.
• ضعف التواصل البصري، وغياب تعبيرات الوجه.
• عدم الكلام أو التأخر في الكلام، أو قد يفقد الطفل قدرته السابقة على التلفظ بالكلمات والجمل.
• عدم القدرة على بدء محادثة أو الاستمرار فيها أو قد يبدأ المحادثة للإفصاح عن طلباته أو تسمية الأشياء فحسب.
• يتكلم بنبرة أو إيقاع غير طبيعي؛ وقد يستخدم صوتاً رتيباً أو يتكلم مثل الإنسان الآلي.
• يكرر الكلمات أو العبارات الحرفية، ولكن لا يفهم كيفية استخدامها.
• يبدو ألا يفهم الأسئلة أو التوجيهات البسيطة.
• لا يعبر عن عواطفه أو مشاعره، ويبدو غير مدرك لمشاعر الآخرين.
• لا يشير إلى الأشياء أو يجلبها لمشاركة اهتماماته.
• يتفاعل اجتماعياً على نحو غير ملائم بأن يكون متبلداً أو عدائياً أو مخرّباً.
• لديه صعوبة في التعرف إلى الإشارات غير اللفظية، مثل تفسير تعبيرات الوجه الأخرى للأشخاص أو وضع الجسم أو لهجة الصوت
أنماط السلوك
قد يعاني طفل أو شخص بالغ مصاب باضطراب طيف التوحد من مشاكل في الأنماط السلوكية المحدودة والمتكررة أو الاهتمام أو الأنشطة، بما في ذلك أي من العلامات التالية:
• يقوم الطفل بحركات متكررة، مثل التأرجح أو الدوران أو رفرفة اليدين.
• قد يقوم بأنشطة من الممكن أن تسبب له الأذى، مثل العض أو ضرب الرأس.
• يضع إجراءات أو طقوساً معينة، وينزعج عندما يطرأ عليها أدنى تغيير.
• يعاني مشكلات في التناسق أو لديه أنماط حركية غريبة، مثل حركات غير متزنة أو السير على أصابع القدمين، ولديه لغة جسد غريبة أو متصلبة أو مبالغ فيها.
• قد ينبهر من تفاصيل شيء ما، مثل العجلات التي تدور في السيارة اللعبة، ولكن لا يدرك الصورة المجملة لهذا الشيء أو وظيفته.
• قد يكون حساساً بشكل غير عادي تجاه الضوء والصوت واللمس، وعلى الرغم من ذلك لا يبالي للألم أو الحرارة.
• لا تشغله ألعاب التقليد أو اللعب التخيلي.
• قد ينبهر بجسم أو نشاط ما بحماسة أو تركيز غير طبيعيين.
• قد تكون لديه تفضيلات معينة من الأطعمة، مثل تناول القليل من الأطعمة فحسب أو رفض تناول الأطعمة ذات ملمس معين.
متى تزور الطبيب
غالباً ما تظهر علامات اضطراب طيف التوحد مبكراً في مرحلة النمو عندما يكون هناك تأخر واضح في مهارات اللغة والتفاعلات الاجتماعية. ويوصي الدكتور السيوف بإجراء اختبارات النمو لتحديد إذا ما كان الطفل يعاني تأخراً في المهارات الإدراكية والاجتماعية ومهارات اللغة أم لا، إذا كان الطفل:
• لا يستجيب بابتسامة أو بتعبير عن السعادة ببلوغه الشهر السادس.
• لا يقلد الأصوات أو تعبيرات الوجه ببلوغه الشهر التاسع.
• لا يتلعثم بالكلام أو يصدر صوتاً ببلوغه الشهر الثاني عشر.
• لا يومئ بحركات - مثل الإشارة أو التلويح باليد - ببلوغه الشهر الرابع عشر.
• لا ينطق كلمات متفرقة ببلوغه الشهر السادس عشر.
• لا يلعب ألعاب «التخيل» أو التظاهر ببلوغه الشهر الثامن عشر.
• لا ينطق عبارات تتألف من كلمتين ببلوغه الشهر الرابع والعشرين.
• يفقد مهارات اللغة أو المهارات الاجتماعية في أي عمر.
الأسباب
لا يوجد سبب واحد معروف للإصابة باضطراب طيف التوحد. وبالأخذ بالاعتبار تعقيد هذا الاضطراب، وتباين أعراضه وشدته، فمن المحتمل أن يكون هناك العديد من الأسباب له. قد يلعب التكوين الوراثي والبيئة دوراً.
• العوامل الوراثية:
يبدو أن عدة جينات مختلفة تدخل في نشأة اضطراب طيف التوحد. قد يرتبط اضطراب طيف التوحد في بعض الأطفال باضطراب جيني مثل متلازمة ريت أو متلازمة الصبغي إكس الهش. وقد تعزز التغيرات الجينية (الطفرات) خطر الإصابة باضطراب طيف التوحد في أطفال آخرين. لكن في الوقت نفسه قد تؤثر جينات أخرى في تطور الدماغ أو طريقة تواصل خلايا الدماغ أو قد تحدد شدة الأعراض. قد تبدو بعض الطفرات الجينية موروثة، بينما تحدث طفرات أخرى بشكل تلقائي.
• العوامل البيئية:
يدرس الباحثون حالياً إذا ما كانت العوامل، مثل العدوى الفيروسية أو الأدوية أو المضاعفات أثناء الحمل أو ملوثات الهواء تلعب دوراً في التسبب في اضطراب طيف التوحد.
عوامل الخطر
يرتفع عدد الأطفال الذين يعانون اضطراب طيف التوحد. وليس من الواضح إذا ما كان هذا بسبب الرصد والإبلاغ بشكل أفضل أو بسبب الزيادة الحقيقية لعدد الحالات أو كليهما معاً.
ويؤثر اضطراب طيف التوحد في الأطفال من الجنسيات والأجناس الأخرى، ولكن تزيد بعض عوامل الخطر لدى الطفل. قد يتضمن هذا:
• نوع جنس طفلك:
يعتبر الذكور أكثر احتمالاً للإصابة باضطراب طيف التوحد بحوالي أربع مرات من الإناث.
• التاريخ العائلي:
العائلة التي لديها طفل واحد يعاني اضطراب طيف التوحد أكثر عرضة لولادة طفلٍ آخر مصاب بالاضطراب.
• اضطرابات أخرى:
بعض الأطفال الذين يعانون حالات طبية معينة لديهم مخاطر أعلى للإصابة باضطراب طيف التوحد أو أعراض مماثلة لأعراض هذا الاضطراب. تتضمن الأمثلة الإصابة بمتلازمة الصبغي X الهش، وهو اضطراب موروث يُسبب مشاكل فكرية؛ والتصلب الحدبي وهو حالة تنمو فيها أورام حميدة الدماغ؛ ومتلازمة ريت، وهي حالة وراثية تصيب الفتيات بشكل حصري وتسبب تباطؤاً في نمو الرأس والإعاقة الذهنية واستخدام اليدين من دون هدف.
• الولادة قبل اكتمال فترة الحمل:
قد يكون الأطفال المولودون قبل مرور 26 أسبوعاً على الحمل أكثر عرضة للإصابة باضطراب طيف التوحد.
• عمر الأبوين:
قد تكون هناك صلة بين الأطفال المولودين لأبوين أكبر سناً والإصابة باضطراب طيف التوحد، ولكن ليست هناك أبحاث كافية تثبت ذلك.
المضاعفات
يمكن أن تؤدي المشكلات المتعلقة بالتفاعل الاجتماعية والتواصل والسلوك إلى ما يلي:
• مشاكل بالمدرسة وذات صلة بالتعلم الناجح.
• مشاكل وظيفية.
• عدم القدرة على العيش باستقلالية.
• العزل الاجتماعي.
• الضغط النفسي داخل الأسرة.
• الوقوع ضحية والتعرض للتنمر.
الوقاية
يقول الدكتور السيوف: «لا توجد وسيلة لمنع اضطراب طيف التوحد، ولكن هناك خيارات للعلاج. يعتبر التشخيص والتدخل المبكر مفيداً للغاية ويمكنه تحسين السلوك والمهارات وتطوير اللغة. ومع ذلك، التدخل مفيد في أي عمر. على الرغم من أن الأطفال لا يتخلصون عادةً من أعراض اضطراب طيف التوحد، إلا أنهم قد يتعلمون الأداء بشكل جيد».